الأهرام
عماد رحيم
الرئيس يبنى ومحافظة القاهرة تهدم!
يسعى الرئيس عبدالفتاح السيسى بكل قوته للقضاء على العشوائيات، والشواهد كثيرة على رأسها حى الأسمرات، وتطوير منطقة غيط العنب بمحافظة الإسكندرية (بشاير الخير) أمثلة حية على إنجاز الرئيس، وغيرها، فوفقاً لإحدى الدراسات التى نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فى العام الماضى تبلغ مساحة المناطق العشوائية 38.6 بالمائة من الحيز العمرانى فى مصر، تحتل القاهرة النسبة الأكبر منها بلا منازع.

وإذا كانت العاصمة المركز الرئيسى للمناطق العشوائية، فذلك يعود إلى هجرة الكثير من الناس إليها باعتبارها العاصمة التى تضم فرص عمل تتيح للوافدين قدراً معقولاً من الحياة الكريمة، فضلاً عن بريقها، المكتسب من خلال تكون صورة ذهنية عبر عقود كثيرة، كانت فيها القاهرة مركز إشعاع حضارى عالمى.

ورويداً رويداً، تشكلت بؤر تكتل فيها بعض المواطنين على أطراف المدن المخططة سلفاً، لعدم استطاعتهم الانخراط فيها، حتى حاصرت تلك البؤرـ العشوائيات ـ غالبية المدن، ولأنها كالنبت الشيطانى، صدرت كماً كبيراً من المشكلات الخاصة بالصرف الصحى والمياه والكهرباء. أضف إلى ذلك وجود الورش العشوائية التى تقدم خدماتها المتنوعة لكل المواطنين، فازداد الوضع سوءًا، وظهر التلوث البيئى والسمعى والبصرى، وأزمات مرورية، أضحى حلها إعادة التفكير السليم فى حل مشكلات العشوائيات من خلال نقل قاطنيها إلى مناطق سكنية مخططة جيداً، توفر كل عناصر السكن الصحى، وهذا ما قرره الرئيس عبدالفتاح السيسى، وظهرت بوادره الإيجابية، وانعكس أثره على الوطن والمواطن. كما تم إنشاء مدن للحرفيين تتمتع بكل عناصر الأمان البيئى والصحى، مثل مدينة الأثاث بدمياط، التى صممت بدقة وحرفية، واختير لها المكان المناسب. لذلك لابد أن يواكب التفكير فى حل مشكلات قاطنى العشوائيات، حل مشكلات الورش العشوائية على التوازى، وكلنا يعلم كم عانت القاهرة وغيرها من الآثار السيئة لها، فاختلاطها بالأماكن السكنية حول حياة قاطنيها إلى عذاب دائم، والأمثلة كثيرة.

ورغم الجهود التى تستحق الإشادة وتهدف لجعل القاهرة بلا عشوائيات خطرة فى نهاية 2018، إلا أننا اليوم نشاهد تطوراً سلبياً، يثير كل علامات التعجب، فقد قررت محافظة القاهرة نقل الورش الكائنة بمشروع صقر قريش ناحية المعادى، بعد أن وصلت مشكلاتها لحد غير محتمل، أصاب سكان تلك البقعة والقريبين منها بالتلوث والأمراض والإزعاج والتخبط والعشوائية، حتى تحولت حياتهم إلى جحيم لا يطاق.

وكعادتنا فى استخدام المسكنات دون الحلول الجذرية، قررت المحافظة نقلها إلى الطريق الدائرى الأوسط مع تقاطعه مع طريق العين السخنة، والغردقة، لتواجه تلك النقطة ازدحاما متوقعا نتيجة توافد مريدى خدمات الورش من كل صوب وحدب، ولا مانع من وجود المقاهى وما شابه، لتتحول تلك البؤرة إلى نقطة سوداء بفضل قرار غير مدروس مناهض ومجهض للجهود التى يقوم بها الرئيس فى تحديث البنية التحتية، وتطوير شبكة الطرق بشكل لم تشهده مصر على مر تاريخها بالكامل. بدعوى وجود منطقة صناعية، بينما لم يكن مخططا وجود هذه الورش بها، ولكن هل تصلح المنطقة الصناعية لتقام بها مدينة للحرفيين؟ مع العلم بأن أقرب تجمع سكنى لاتزيد المسافة بينه وبين المكان المقرر نقل الورش إليه على 1500 متر!

والمنطقة المراد تحويل الورش إليها منطقة استثمارية مخطط لها إنشاء مجمعات سكنية ومدارس!

بما يعنى انتقال العشوائية من صقر قريش لهذه المنطقة الواعدة، ثم نأتى بعد سنوات قليلة أو أشهر، ليفاجأ الناس بنفس المشكلة التى حدثت لقاطنى صقر قريش، تحدث للتجمعات القريبة، ونبدأ من جديد فى البحث عن حل. وكان الدائرى الأوسط، تم إنشاؤه للتخفيف عن الطريق الدائرى الرئيسى، وهو يصل بين طريق النصر حتى مدخل طريق العين السخنة، وهو الآن يعانى كل مظاهر الفشل، مقاه على جانبيه تغلق قدراً كبيراً منه، وتجعل حركة السير فيه بطيئة، كما يعانى نقص الخدمات المرورية والأمنية بدرجة جعلت الكثيرين عرضة للسرقة فى وضح النهار! بما يؤكد أن تحويل الورش إلى نهايته من شأنه زيادة الطين بلة!

وبدلا من التفكير فى رفع كفاءته والحفاظ على قيمته و تعظيمها، تصر المحافظة بشكل عجيب على تحويل تلك المنطقة التى تحوز تكتلات سكنية مخططة بأسلوب جيد وراق إلى منطقة عشوائية، والسؤال الموجه لمحافظة القاهرة هل 3 كيلو مترات ـ بحسب التصريحات المعلنة ـ مسافة كافية للفصل بين الورش والكتل السكنية؟

وإذا كانت هناك نية لتجهيز تلك البقعة المراد نقل الورش إليها لتصلح مكانا ملائما بيئيا وصناعيا وصحيا، فلماذا الإصرار على هذا المكان تحديدا، رغم أن أرض الله واسعة؟

هل هو الاستسهال أم التكاسل، أم تعكير صفو الناس الذين أكدوا اعتراضهم على نقل الورش بالقرب منهم، ومع ذلك يصر المسئولون على تفعيل هذا القرار الغريب، متناسين أن إدارة المال العام لا تعنى الانفراد بالقرار، حتى لو لم يرض عنه الرأى العام، صاحب المصلحة والمنفعة فى المقام الأول.

أتمنى قبل أن تقع الفأس فى الرأس، أن يتم العدول عن هذا القرار، لأننا بهذه الطريقة نضيع جهودا عظيمة بلا مبرر وينتشر غول العشوائيات بدلا من القضاء عليه، لكن يبدو أن بعضنا أدمن سكب اللبن، كما أدمن البكاء عليه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف