الأهرام
سمير الشحات
الزمالك .. حالة مصرية بامتياز !
من قال إن كرة القدم ليست سياسة؟ ومن ذا الذي يجرؤ على القول إنها ليست أيضًا اقتصادًا وتاريخًا وفلسفة وعلم نفس وتربية وطنية .. بل وحساب مثلثات (أليسوا يقولون إن اللاعبين يمررون الكرة فى شكل مثلثات)؟.. نعم إن الساحرة المستديرة هى كل ذلك وأكثر.

وعلى ذكر التاريخ.. أليس فريق نادى الزمالك قطعة من تاريخ مصر وهو الذي تأسس قبل مائة وست سنوات، ومن ثم فهو - شاء منافسوه أم أبوْا- جزء من تاريخ اللعبة الشعبية الأولى فى العالم كله. وبناءً عليه فإن الحديث عن الزمالك هو إلى حد كبير حديث عن مصر.

كلنا لعبنا فى طفولتنا كرة القدم، سواءً فى الجُرن، أو بفناء المدرسة، أو في الحارة والشارع، أو فى النادى. وكلنا فى شبابنا هتفنا حتى بُحّت منا الحناجر للنادى الذى نشجعه، ثم عندما كبرنا فصرنا كهولًا اكتفينا بالفُرجة عليها فى التليفزيون نظرًا إلى وجع الظهر الذى يحول بيننا والتوجه إلى الاستادات. يعنى بمعنى من المعانى كلنا لنا فى كرة القدم.

.. وجمهور الزمالكاوية بالتحديد (والذين كاتب المقال واحد منهم وله كل الفخر والافتخار) حالة مصرية خاصة بامتياز. أنت إن كنت زمالكاويًا وتوجهت إلى أى بقعة فى العالم فقلتَ لهم «أنا زمالكاوى» فسوف يهتفون فى وجهك على الفور: «آه ..أنت إذن مصرى» إذ أنه لا ناديًا آخر فى الدنيا كلها يحمل هذا الاسم «الزمالك».

بل وبالتأكيد ستراهم يردفون عبارتهم تلك بجملة ظاهرها الإعجاب وباطنها الإشفاق وسيقولون: كان الله فى العون.. والله إنكم معشر الزمالكاوية لكم الجنّة على ما احتملتموه وتتحملونه كل يوم. فلماذا إذن يُعدّ الزمالك حالة مصرية خاصة يا ترى؟ لألف سبب وسبب !

لكن ولضيق المساحة، سوف نكتفى من الأسباب الألف بسبعة فقط، أولها، إن الأصل فى الحياة المعاصرة أن يلعب الفريق (أى فريق فى أى مجال) بطريقة جماعية يطلقون عليها روح الفريق.. فهل يلعب الزمالك - والمصريون جميعًا- بطريقة جماعية؟ أبدًا وحياتك.

إنك تنظر فترى كل واحد منهم ( الزمالكاوية والمصريين) يأخذ الكرة فيختصها لنفسه كأنه ورثها عن والديه، ويظل يُرقّص ويُغرّز غير عابىء بصرخات المدرب له من خارج الخطوط: يا بنى باصى.. يا حبيبى باصى.. ولا حياة لمن تنادى. فى كل المجالات نحن لا نباصى ولا نريد أن يشاركنا أحد فى اللعب.. وكل ما يعنينا هو هتاف الجمهور لنا وحدنا نحن فقط وليذهب مستقبل الفريق ( والبلد) إلى حيث ألقت.

والسبب الثانى، أنه ليست هناك رؤية شاملة أو خطة لعب واضحة، وتنظر للاعبين فتجد عشوائية فى التمرير ( كما لو كانوا يقودون سياراتهم على الكوبرى)، وتشويحًا للكرة للتخلص منها وكأن اللاعب يريد التزويغ من المسئولية ( بالضبط ككثير من المزوّغين منا هذه الأيام)، بل وستشعر بأن اللاعب يرغب لا شعوريًا فى توريط زميله كى يُحمّله هو عار الهزيمة، ولا يخلو الأمر من احتمال تعريض زميله للإصابة ولسان حاله يقول: يا عم وانا مالى.. (ألسنا كلنا نقول وأنا مالى؟)

وثالثًا، سترى اللاعب وقد هجم على عرقوب الخصم أو سمانته أو دهس قدمه بمنتهى القسوة دون حسيب أو رقيب لأخذ الكرة منه بالباطل، وليس فى ذهنه أن هذا اللاعب الخصم صاحب عيال، وأن الكرة هى مصدر رزقه الوحيد، فإن أقعدته الضربة، أو سببت له رباطًا صليبيًا، ضاع مستقبله. قل لى ألست ترى تلك «الغشومية» فى كثير من تصرفاتنا بالمؤسسات والطرقات وأماكن العمل المختلفة؟

والأمر الرابع، أنك تنظر فترى اللاعب وقد ارتمى فوق النجيلة يتأوه ويصرخ ويخبط الأرض بكفه كأنما قد لسعته حيّة، ثم يشير للجهاز الفنى بدون داع، وكل ما فى ذهنه أن تأتى الكاميرا عليه ليرى أصدقاؤه على المقهى وجهه الصبوح، غير مبال بأنه يضيّع وقت الفريقين ويسرق متعة المشاهدة، ثم بعد انصراف الكاميرا تراه وقد نهض كحصان!

إنك ستعرف على الفور أنه يُمثل.. فلماذا يمثل؟ آه.. لأن التمثيل بات هو الأصل فى حياتنا بينما اللعب الحقيقى (أو الإنجاز) هو الاستثناء.

خامسًا، أن الصراخ فى وجه الحكم، والاعتراض على صافرته بمناسبة وغير مناسبة، بل وأحيانًا الهرولة إليه ومحاولة شد قميصه احتجاجًا وتطاولًا صار ظاهرة فى ملاعبنا، فإن سألت عن السر وراء هذا التصرف الممجوج ستجد أنه عدم احترام القانون ومن يمثلونه ( أليس الحَكَم هو ممثل قانون اللعبة على البساط الأخضر؟) وبالطبع فإن ما يفعله اللاعب هو امتداد لما يراه على أرض الواقع وليس أرض الملعب فقط.

إنه حتمًا يقول لنفسه، أو يقول له شيطانه: يا واد خلّ الحكم يخاف منك كى يراعيك فى المرات القادمة. أليس فى ذلك شكل من أشكال البلطجة الذى اعتدناه مؤخرًا من كثيرين بيننا؟ فإن استخدم الحكم المسكين حقه وأخرج البطاقة الصفراء تحول الملعب إلى غابة من البشر الغاضبين وكل من هب ودب يهجم على الحكم يريد الفتك به.. هل هذه كرة؟ أو قل: هل هذه حياة؟

وأما سادسًا، فإنك تنظر للزمالكاوية (ولكثير من أنديتنا المصرية) فتراهم يغيرون مدربيهم كما يغيرون تي شيرتاتهم، فإن سألت عن الاستقرار قالوا لك: يا عم أليس التغيير سُنة الكون؟ قل لى ألا تجد مثل هذا فى كثير من منشآتنا الحيوية الآن؟ ويبقى سابعًا، أنه رغم كثرة بكاء الجمهور وعويله فلا شىء يتغير.. فهل صار القائمون على تلك الأندية يؤمنون بأن العويل هو أجمل أنواع التشجيع فى المدرجات وفى الحياة؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف