الأهرام
فهمى السيد
كلمات ..حروفها ألماس وذهب
كلمات توزن بميزان الذهب حروفها من ألماس وسطورها لئلالئ ومعانيها من ياقوت وزبرجد تلك الكلمات التي تقال دوما في الختام، وأي ختام فعندما يتفوه اللسان بكلمات الختام لاي حديث تسمع منه أحلي الكلمات، والختام الاحلي عندما تقطر الكلمات من صاحبها وهو في الختام النهائي وداعا للحياة الدنيا ووصولا إلي الرفيق الاعلي.
الكلمات التي أقصد تلك الكلمات التي قالتها الكاتبة الكويتية نادية الجار الله وهي علي سرير المرض في نهاية رحلة الحياة بعد رحلة كفاح طويلة عاشتها تعارك الحياة وتعاركها بأفراحها وأتراحها بحلوها ومرها، رحلة مليئة بالمصاعب والمتاعب مع مهنة البحث عن المتاعب ومع كل هذه التجارب التي عاشتها أدركت وهي علي حافة الخروج من الحياة الي الموت ومن الدنيا إلي الاخرة قالت كلمات أوجزت فيها لكن معانيها تحتاج الي العديد والعديد من الكتب، كلمات عبرت فيها عن معني الحياة وأهمية النهاية ولقاء الموت فماذا قالت؟
عند موتي لن أقلق .. ولن أهتم بجسدي البالي ..فالمسلمون من أهلي وجيراني سيقومون باللازم ..ألا وهو سيجرودونني من ملابسي ويغسلونني وسيكفنونني ثم يخرجونني من بيتي ذاهبين بي إلي بيتي الجديد وهو "القبر"وهو المسكن الذي نهمل التفكير فيه وتجهيزه والاستعداد له وسيذهب معي الكثيرون أو القليلون لتوديعي وسيضطر بعضهم لالغاء مواعيده وتعطيل عملهم من أجلي ..
وبعد رحلة الذهاب إلي مدفني والانتهاء من مراسم توديعي ودفني وذهاب مودعي كل إلي حال سبيله انتظارا لرحلة توديع صاحب المحطة التالية الي ما ال اليه حالي بعد انتهاء رحلته الدنيوية الخادعة الماكرة، حيث خداع الجاه وصخب المنصب ومكر السلطان ..ونعود الي فصول مسلسل سطور ما قبل الرحيل للراحلة نادية الجارالله تقول سيلمم أهلي أشيائي مفاتيحي وكتبي وحقائبي وأحذيتي وملابسي ..الخ.
وتتمني الراحلة أن يكون أهلها موفقين في التصدق بأمتعتها جميعا حتي يذهب اليها ثواب ما يفعلون ولعلهم يوفقون ..وتمضي في كلمات سطورها ناعية نفسها قبل الرحيل واعظة نفسها ومحبيها وقرائها في نصيحتهم أغلي النصائح بل هي أغلي في حقيقة الامر من الالماس والذهب لصدقها ولغلو ثمن كلماتها لمن أراد أن ينتفع بما قالت وسطرت في اخر أيامها وهي تستعد لرحلة البحث عن الذات وهي راحلة إلي رب العباد..
تقول نادية الجار لله ناصحة أمة محمد ..تأكدوا ان الدنيا لن تحزن علي ..ولن تتوقف حركة العالم، ووظيفتي سيأتي غيري ليقوم بمهامها أما أموالي فستذهب حلالا لورثتي وساحاسب أنا عليها من أتيت بها وعلي ماذا أنفقتها؟ وأول ما سيسقط عني بعد موتي هو اسمي وسألقب بالجثة، وعند الصلاة علي سينادون احضروا من حضرت من أمة محمد دون ذكر لاسمي أو لقبي كما حضرت إلي الدنيا دون اسم أولقب لذلك لا يهمني نسبي أو حسبي ولن يغرني منصبي أو شهرتي.
ما أتفه هذه الدنيا وما أحقرها الاموال والمناصب وما أعظم ما نحن مقبلون عليه وما أجله وتقول بلغة من انتقل الي عالم الاموات ياأيها الحي الان إعلم أن الحزن عليك سيكون علي ثلاثة انواع ،فسيطلق عليك لقب مسكين ممن عرفوك عن بعد بلا حزن علي فراقك ،وسيحزن بعض الوقت أهلك ومقربوك ،أما أصدقاؤك ومحبوك فمن الجائز أن يمتد حزنهم لفراقك ساعات والجميع سيضعونك في ألبوم الذكريات فمنهم من سيتذكرك لايام والاخر شهورا والبعض لسنوات حتي تمحي تماما وتنتقل إلي ذاكرة النسيان.
ماذا يفعل الانسان عندما يذهب عنه الجمال والمال والسلطان والجاه والصحة والولد وفارق الدور والقصور ولم يصاحبه شئ الا العمل وما حصدته القلوب والافئدة من فرائض ونوافل وصدقة وزكاة ومناجاة الله في السحر ومراعاته في الاهل والولد وصلة الارحام وحسن المعاملة والصبر علي الضراء كما فرحه بالسراء عند الفرج.
وتضيف الجار الله ناصحة للبشر سائلة لماذا يختار الميت عمل الصدقة والصالحات فيما لو عاد مرة اخري الي دنيا النصب "رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت" .."رب لولا أخرتني إلي أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين " وفي الحالتين لن يفغل سوي ما عمله في حياته الاولي بتأكيد المولي عز وجل وجل "كلا بل هي كلمة هو قائلها" والغرض من ذكر الصدقة تحديدا هو من جمال ما رأي الميت من أثرها العظيم عليه من ربه بعد موته ورحيله.
فتصدقوا وأعملوا صالحا وأقيموا الصلاة واتوا الزكاة وصلوا الأرحام وصوموا رمضان وحجوا ان استطعتوا وزنوا أعمالكم وحاسبوا أنفسكم وأحسنوا تعاملكم واذكروا ربكم صبحة وعشيا ،وتدبروا نصيحة من انتقلت إلي جوار ربها فكانت فيها مخلصة صادقة عسي الله أن يرحمها بها، ويرحمنا بحسن الاصغاء إلي ما قالت وكتبت قبل الرحيل فكلنا راحلون فهل نحن مستعدون؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف