بوابة الشروق
زياد بهاء الدين
عودة إلى سجناء «تيران» و«صنافير»
تلقيت العديد من التعليقات على ما كتبته الأسبوع الماضى عن المحبوسين بسبب الاحتجاج ضد اتفاقية «تيران» و«صنافير»، ودعوتى للإفراج عنهم وحفظ الدعاوى المرفوعة ضدهم. بعض التعليقات جاء مؤيدا لهذا الموقف ومدافعا عن حرية سجناء الجزيرتين، والبعض الآخر جاء متحفظا من منطلق أنهم قد خالفوا القانون وعليهم تحمل المسئولية لأن القانون يجب أن يطبق على الجميع دون تمييز.
ومع شكرى لكل من ساهموا فى هذا الحوار سواء بالاتفاق أو الرفض، وتقديرى الكامل لضرورة تطبيق القانون بشكل محايد ودون تفرقة أو تمييز، إلا أننى أرى أن هناك ثلاثة اعتبارات يجب أخذها فى الحسبان عند تقدير حالة سجناء الجزيرتين:
الاعتبار الأول أن قانون التظاهر الذى جرى بموجبه القبض على المحتجين على هذه الاتفاقية كان منذ صدوره قانونا خلافيا لأنه قيد الحق الدستورى فى التعبير عن الرأى والتظاهر السلمى. وقد حسمت المحكمة الدستورية العليا الأمر حينما قضت العام الماضى بعدم دستورية بعض مواد هذا القانون، موضحة أن الاحتجاج السلمى حق أصيل لا يجوز تقييده. وعلى الرغم من أن مجلس النواب سارع بعد ذلك بإدخال بعض التعديلات على القانون، إلا إنها كانت فى تقديرى محدودة ولم تصحح العوار المستمر فيه، وهو اعتبار الاحتجاج السلمى جريمة. وأؤكد هنا على أن السلمية هى المعيار الذى يلزم الاحتكام إليه؛ لأن من يستغل مظاهرة أو تجمعا لكى يعتدى على الناس أو يتلف الممتلكات يكون مرتكبا لجرائم أخرى تستحق العقوبات المنصوص عليها فى القانون الجنائى ولا ينطبق عليه وصف المتظاهر السلمى.
الاعتبار الثانى أن عددا من المحبوسين بسبب الاحتجاج على اتفاقية الجزيرتين وجهت اليهم أخيرا مجموعة من التهم تتجاوز مجرد التظاهر بغير إذن لكى تصل إلى حد الانضمام إلى تنظيمات سرية بينما هم فى الحقيقة أعضاء فى أحزاب شرعية وقانونية، مقارها معروفة، وأعضاؤها مقيدون رسميا، ومواقفها معلنة. هذا الخلط بين التهم والأوصاف القانونية عند ملاحقة المعارضين لسياسات الدولة هو أكثر ما يلحق الضرر بالعدالة وبمصداقية الدولة. وهو للأسف تراث قديم ومستقر لدى أجهزة الدولة منذ عشرات السنين؛ إذا شاءت أن تلاحق خصما، بالغت فى توجيه التهم الجزافية إليه من منطلق أن واحدة على الأقل قد تصيب. ولهذا فإن القول بضرورة تطبيق القانون على الجميع ودون تمييز قول صحيح، ولكن يجب أن يقترن بالتطبيق السليم للقانون وليس الانتقائية ضد معارضى الدولة والتوسع فى الاتهام إلى حد يخل بمضمون العدالة. وبالمناسبة فهذه قضية لا تخص متظاهرى «تيران» و«صنافير» وحدهم بل كل حالات الخصومة السياسية التى وجهت إليها التهم جزافا، ولهذا حديث آخر.
أما الاعتبار الثالث والأخير فيتعلق بالملاءمة. فالدولة ترتكب خطأ جسيما حينما تتعامل مع شباب تظاهروا واحتجوا دفاعا عن سيادة الدولة على أرضها كما تتعامل مع أى بلطجية أو مثيرى شغب يطالبون بما لا يستحقون. الدولة كان لها فى النهاية ما أرادت، وتمكنت من تمرير الاتفاقية فى البرلمان وصدق عليها السيد رئيس الجمهورية على الرغم من الغضب الشعبى. كيف لا ترى بعد ذلك أن استمرار حبس المحتجين على هذا الموضوع بينما من ارتكبوا كل أنواع الجرائم الأخرى يتم الإفراج عنهم لأسباب مختلفة، يسىء إليها ــ أى الدولة ــ إساءة بالغة؟ والأخذ بالملاءمة قبل وصول الدعاوى إلى المحاكم لا يتعارض مع التطبيق العادل للقانون لأن قوانين الإجراءات الجنائية ذاتها أفسحت مجالا لمثل هذه المواءمة.
على الدولة أن تراجع نفسها ليس فقط فيما يتعلق بالمتهمين بسبب الاحتجاج ضد اتفاقية الجزيرتين ولكن فيما يتعلق بكل من جرى حبسهم لمجرد التعبير عن الرأى، أيا كانت حدة التعبير وقسوة الألفاظ، لأنه يظل فى النهاية تعبيرا عن الرأى ولا يمثل اعتداء ولا إتلافا ولا إرهابا. وخلط الأمور على هذا النحو لا يصب فى النهاية ألا فى مصلحة المجرمين الحقيقيين لأنه يضعهم والشباب المتحمس والغيور على مصلحة الوطن فى سلة واحدة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف