الأهرام
مصطفى السعيد
العراق والخليج .. حسن الجوار أو الدمار
العراق المنتشى بانتصاره الباهر على داعش فى معركة الموصل يثير مخاوف العديد من دول المنطقة، وفى مقدمتها بعض دول الخليج، فمازالت ذكرى اجتياح العراق لدولة الكويت ماثلة فى الأذهان.

المخاوف العراقية من استمرار استهدافه تفاقمت مع حدوث واقعتين متزامنتين، هما انعقاد مؤتمر للقوى السياسية السنية، وإعلان مسعود البرزانى تصميمه على إجراء استفتاء على استقلال إقليم كردستان فى سبتمبر المقبل، إلى جانب استمرار الحملات الإعلامية على العراق، والتى تركز على قوات الحشد الشعبي، واتهامها بارتكاب عمليات انتقامية تحت ستار ملاحقة أعضاء تنظيم داعش، والمطالبة بحل الحشد كخطوة تعبر عن حسن النوايا تجاه دول الخليج.

الحكومة العراقية لا تبدو مستعدة أو قادرة على اتخاذ خطوة حل الحشد الشعبي، لأنه القوة التى أوقفت زحف جحافل داعش على بغداد وكربلاء، وكان لها الفضل الكبير فى الانتصارات على داعش وتحرير ثلثى الأراضى العراقية، عدا ثلاثة جيوب فى تلعفر والحويجة والحدود مع سوريا، ويحظى الحشد الشعبى بتأييد معظم القيادات السياسية الشيعية والكثير من القيادات السنية، ولهذا فإن الضغط على الحكومة العراقية من أجل حل الحشد الشعبى يصعب أن تحقق هدفها، ولن تؤدى إلا لتغذية الصراع بين الصقور والحمائم فى الأحزاب العراقية، وستكون النتيجة أن تأتى حكومة أكثر تشددا من حكومة حيدر العبادي، التى تسعى إلى التوازن فى العلاقات مع إيران ودول الخليج.

إن إضعاف حكومة العبادى وتجاهل رغبتها فى التقارب وتطبيع العلاقات مع جيرانها فى الخليج على أساس الكف عن التدخل فى شئون العراق، سيؤدى فى الغالب إلى عراق أشد خطرا وضراوة، فالتحديات التى يواجهها العراق ليست أشد مما واجهه فى السابق، واندحار الإرهاب أصبح قريبا، ومخطط التقسيم تلقى ضربة موجعة، وابتعد شبح التقسيم عن أى فترة مضت، فاستقلال إقليم كردستان ليس سهلا، فالإقليم لا يتمتع بمقومات الدولة المستقلة، وليس لديه أى حدود برية إلا مع دول أربع بها أقليات كردية، وتخشى أن يصيبها عدوى التقسيم، ولا يمتك الإقليم حدودا بحرية، ولهذا يكفى أن تغلق الدول الأربع حدودها ومجالها الجوى لتموت الدولة الوليدة دون إطلاق رصاصة، خاصة أن الصراعات محتدمة داخل الإقليم بين الحزب الديمقراطى بزعامة مسعود برزانى ومعقله أربيل، وحزب الاتحاد الوطنى بزعامة جلال طالبانى فى السليمانية، وحركة التغيير التى تأسست منذ 8 سنوات، وحصلت على 24 مقعدا من 111 مقعدا فى البرلمان، وتحظى بمقعد رئاسة البرلمان، ويواجه البرزانى معارضة قوية، خاصة بعد رفضه إجراء انتخابات رئاسية بعد أن أمضى مدتيه القانونيتين، ويريد تنصيب ابنه خلفا له، وأوقف انعقاد البرلمان بعد صدامه مع حركة التغيير. ولا يبدو أن إقليم كردستان قادر على الاستقلال فى ظل فيتو إيرانى تركي، خاصة أن قوات الحشد الشعبى متحفزة لأى صدام محتمل مع البشمركة الكردية، إلى جانب حساسية العرب السنة من استيلاء الأكراد على كركوك ومناطق نزاع أخري، ولهذا يمكن أن يكتفى البرزانى بأن يلوح بورقة الاستقلال، لتحسين شروط البقاء تحت السيادة العراقية، والحصول على المزيد من الامتيازات، بدلا من مخاطرة قد تضيع المكاسب التى حققها كردستان العراق.

يبقى أمام العراق مشكلة وجود قوات تركية وأمريكية على أراضيه، وإن كان العراق وافق على التعاون مع الولايات المتحدة فى الحرب على داعش، فإنه ظل متشككا فى جدية القوات الأمريكية، بل تعالت أصوات تؤكد أن القوات الأمريكية تعمل على احتواء واستخدام داعش وليس القضاء عليه، ولكن العراق لم يكن فى حالة تسمح باستعداء أمريكا وطرد قواته، خصوصا أنه بحاجة إلى السلاح الذى دفع ثمنه مقدما ولم يتسلمه كله، لكن العبادى شدد على عدم سماح العراق ببقاء أى قوات أجنبية على أراضيه، وأن القوات الأمريكية ستخرج مع الانتهاء من الحرب مع داعش، لكن المخاوف مازالت موجودة من أن يكون الإعلان عن استفتاء استقلال إقليم كردستان والنفخ فى نيران الفتنة مبررا لبقاء القوات الأمريكية، التى لا تبدو راغبة فى الانسحاب مجددا، ومحاولة الإبقاء على قوة ولو صغيرة، لكن الحشد الشعبى أعلن أنه سيحارب أى قوات أجنبية على أراضى العراق. أما القوات التركية فى بعشيقة فلا يبدو أنها ستكون قادرة على البقاء بعد تحرير تلعفر، خاصة أن أردوغان لا يستطيع فتح جبهات جديدة، ويكفى أزمته مع أكراد سوريا وأزمته مع دول الخليج ومصر تأججت بوقوفه إلى جانب قطر ضد الدول الأربع المقاطعة للدوحة. مازالت الفرصة سانحة لنزع فتيل أزمة خطيرة مع العراق، والاحتواء المبكر لصراع قد يكون الأخطر، فالعراق بحاجة إلى التقاط الأنفاس من حصار وحروب دامت 38 عاما دون توقف، ويأمل فى لملمة الجراح وإعادة الإعمار، وهو ما يفتح باب الأمل لبناء علاقات تقوم على الثقة وحسن الجوار، لأن البديل هو المزيد من الدماء والدمار.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف