التحرير
أحمد كامل البحيرى
النساء والحق في الإرث
تسقط الديكتاتورية٬ ويسقط الظلم٬ كلمات رفعها الشعب المصري في يناير ٢٠١١ و٣٠ يونيو ٢٠١٣ في مواجهة السلطة الحاكمة٬ بهدف المساواة والعدل والحرية٬ وبعد ست سنوات من التعبير اللفظي والحركي عن رفض الظلم٬ لماذا لم تتحقق المطالب الإنسانية من المساواة والعدل؟ الإجابات كثيرة والتحليلات المعمقة أكثر ولكن الإجابة الأكثر دقة هي أن تلك المطالب تتحقق بتطبيق المفهوم الشامل للحداثة٬ واقتصار الأمر على التقدم الاقتصادي والتكنولوجي لا يحقق الهدف المطلوب٬ فالمدخل الحقيقي للعدل والمساواة والحرية هو إسقاط الظلم السياسي والمجتمعي. نعم إن كانت ديكتاتورية الأنظمة السياسية تتناقض مع المساواة والعدل والحرية٬٬ فإن الظلم والديكتاتورية المجتمعية هما المعوق الأساسي للتقدم والحداثة٬ نعم هناك ديكتاتورية مجتمعية تستند إلى قمع العادات والتقاليد، كما تستند الأنظمة الديكتاتورية إلى القمع الأمني والقانوني٬ ويتخذ الظلم المجتمعي أشكالا متعددة٬ الظلم الطبقي والمناطقي٬ ولكن تتجلى أشكال الظلم المجتمعي في قهر واغتصاب حقوق النساء٬ برفض حقوق النساء السياسية والاقتصادية والمجتمعية بما فيها حقوق النساء الدينية٬ فما زالت النساء محرومات من حقوقهن في الميراث٬ فلا يحق للنساء تملك الأراضي الزاعية أو أخذ ميراثهم الشرعي في العقارات٬ تحت سمع وبصر السلطة القانونية للدولة٬ فالتشريعات عاجزة لتحقيق أغلب حقوق النساء بما فيها الحق في الإرث٬ ويمكن ملاحظة الظلم المجتمعي ضد النساء واغتصاب حقوقهن في الميراث بتحليل تصريحات الدكتورة مايا مرسي رئيس المجلس القومي للمرأة٬ والتي أعلنت أن نسبة تملك المرأة للأراضي الزراعية لا تتعدى ٦.٤٪ من الحيازة الزراعية بمصر وهي نسبة ضئيلة في حال مقارنتها بنسبة تملك المرأة للأراضي الزراعية في (تنزانيا) والتي تصل إلى ٤١٪ من مساحة الحيازة الزراعية، وطالبت الدكتورة مايا بوضع سياسات واضحة لزيادة نسبة تملك المرأة للأراضي الزراعية في مصر والتي تدخل تحت مسمى تمكين المرأة٬ بزيادة استصلاح الأراضي وتمليكها للمرأة٬ ولكن لم تتطرق الدكتورة مايا مرسي لأسباب ضعف تملك المرأة للأراضي الزراعية٬ فهل يرجع ذلك لأسباب مالية أو انعدام الكفاءة؟ أم هناك سبب آخر أدى إلى تلك النتيجة؟ ومن ثم يمكن أن نقترح حلولا٬ فالحل المطروح وإن كان هدفا نبيلا، ولكن ليس الطريق الصحيح لمعالجة هذا الأمر لأن السبب الحقيقي المؤدي لضعف نسبة تملك النساء للأراضي الزراعية في مصر هو حرمانهن من حقوقهن في الإرث. نعم لا يحق للنساء في أغلب محافظات الصعيد والدلتا أخذ حقهن في ميراث الأراضي الزراعية٬٬ ضاربين عرض الحائط بالحقوق الدينية والقانونية للنساء وإن حاولت النساء أخذ حقهن بالقانون يعجزن لأسباب كثيرة، منها عدم امتلاكها أوراقا أو ما يطلق عليها (حجة الأرض أو الحيازة) وهي تحت سيطرة الرجل في الأسرة٬ بجانب ارتفاع تكلفة التقاضي وطول مدة التقاضي. وأخيرا يمكن أن تؤدي مطالبة النساء بحقوقهن الشرعية في الميراث إلى التعدي البدني والذي يصل إلى القتل في بعض الأحيان٬٬ فالحل لا يكمن في استصلاح أراض وإعطائها للمرأة لأن ذلك ليس المعالجة المطلوبة٬ لأن الأمر ليس ترضية للنساء ولكن الأمر هو حق أصيل للنساء٬ فما تم طرحه من الدكتورة مايا مرسي٬ وهو اجتهاد طيب٬ لا يعالج الأزمة الحقيقية ولا يختلف كثيرا عن حلول السلطة السياسية على مدار تاريخ مصر الحديث في إعطاء الحد الأدنى للنساء في بعض المجالات٬ مع حرمان مستمر لأغلب الحقوق للنساء. نعم «يناير» و«يونيو» لم تنجح٬ ولن تنجح في يوليو وأغسطس وفبراير... إلخ٬ إلا بإسقاط الظلم المجتمعي تجاه النساء، والذي يفوق ظلم القانون والدولة للنساء٬ وإذا تحقق ذلك فاعلم عزيزي القارئ أن مصر دخلت عصر الحداثة بمظاهره المختلفة، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية.

لا حرية في مجتمع يظلم النساء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف