الأهرام
عبد الرحمن سعد
سيئاتك.. حسنات!
أمر عظيم أشار إليه القرآن الكريم هو تبديل السيئات حسنات، وذلك في حق طائفة من الناس، لكن السؤال هو: هل هذا التبديل وارد فعلا، كما نفهمه، وهو أن يعمل المرء "سيئات" فيجدها في ميزانه "حسنات"، يوم القيامة؟ وكيف يحدث ذلك؟
إن رحمة الله، سبحانه، واسعة، وفضله عظيم، وكرمه عميم. والإسلام دين التفاؤل والاستبشار والتوازن النفسي والعقائدي والسلوكي والفكري والأخلاقي.
والله، عز وجل، يفتح باب التوبة للعصاة والكافرين والمنافقين والطغاة والظالمين.. بل إنه، سبحانه، يبدل سيئات البعض حسنات.
قال تعالى: "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ". (هود: 114).
وقال: "إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا".(الفرقان: 70).
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: "إنما التبديل في حق من ندم على سيئاته، وجعلها نُصب عينيه، فكلما ذكرها ازداد خوفاً ووجلاً وحياء من الله، ومسارعة إلى الأعمال الصالحة المكفرة".
يؤيد هذا ما جاء في صحيح "مسلم"، عن أبي ذر، رضي الله عنه، قال: "قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وآخر أهل النار خروجاً منها: رجل يُؤتى به يوم القيامة، فيُقال: "اعرضوا عليه صغار ذنوبه، وارفعوا عنه كبارها"، فتعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال: "عملت يوم كذا كذا وكذا، وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا"..
فيقول: نعم، لا يستطيع أن ينكر، وهو مشفق من كبار ذنوبه، أن تُعرض عليه، فيُقال له: فإن لك مكان كل سيئة حسنة، فيقول: رب قد عملت أشياء لا أراها ها هنا؛ فلقد رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ضحك حتى بدت نواجذه".
بعد ذكره هذا الحديث قال ابن رجب: "فإذا بُدلت السيئات بالحسنات في حق من عُوقب على ذنوبه بالنار، ففي حق من مُحيت سيئاته بالإسلام والتوبة النصوح أولى، لأن محوها بذلك أحب إلى الله من محوها بالعقاب"، حسبما قال.
وقريب من هذا؛ ما أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة"، عن أبي أمامة، رضي الله عنه، عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ أو المسيء فإن ندم واستغفر الله منها، وألقاها، وإلا كُتبت واحدة".
وورد في هذا السياق أيضا، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً". (حديث صحيح).
وليس معنى ذلك أن يغترَّ المرء بعمله الفاسد، فيزداد فيه، وإنما هي رسالة من الله تعالى لكل إنسان أن يحسن العمل، سائلا إياه أن يكفر عنه سيئاته، ذلك أن "للسيئة سوادا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق"، حسبما جاء عن عبد الله بن عباس، رضي الله عنه.
وعلى ذكر الأخير فقد ذهب هو، وابن جريج، والضحاك، وابن زيد، إلى رأي آخر هو أن التبديل المقصود به أن الله: "يبدلهم بقبيح أعمالهم في الشرك، محاسن الأعمال في الإسلام، فيبدلهم بالشرك وبقتل المؤمنين: قتل المشركين. وبالزنى: عفة، وإحصانا".
ومؤيدا لهم، قال سعيد بن جبير: "أبدلهم اللّه بعبادة الأوثان عبادة الرحمن، وأبدلهم بقتال المسلمين قتال المشركين، وأبدلهم بنكاح المشركات نكاح المؤمنات".
وقال الحسن البصري: "أبدلهم اللّه بالعمل السيء العمل الصالح، وأبدلهم بالشرك إخلاصاً، وأبدلهم بالفجور إحصاناً، وبالكفر إسلاماً".
وأيا كان الأمر، هناك سيئات، في الحالتين، يبدِّلها الله تعالى، حسنات، لذا فإن السؤال هو: هل ننتهز الفرصة، ونقترب أكثر من الله، فنبكي ونتضرع بين يديه، خاشعين، نادمين؛ عسى أن تفوز توبتنا الصادقة، وندمنا السخين على معاصينا، بعظيم فضل ربنا علينا، فيجعلنا من أولئك الذين "يُبَدِّلُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ"؟
اللهم بارك لنا في الحسنات، وجنبنا السيئات، وبدِّلها؛ بعفوك، وكرمك؛ إلى حسنات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف