الأهرام
محمد ابراهيم الدسوقى
خفايا هجوم البدرشين
ما ان وقع الاعتداء الإرهابى الغادر على سيارة للشرطة فى البدرشين صباح الجمعة الماضى، حتى تركزت الأنظار والتفسيرات على أمرين، الأول أن المواطنين مقصرون وملومون بشدة، لأنهم لم يتصدوا للجناة الجبناء الذين هربوا من مكان الحادث فى وضح النهار، والثانى أن الواقعة تؤكد وجود ثغرات فى تأمين الدوريات الشرطية، وعزفت جوقة التقصير لحنها المحبط المعتاد على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تنس إبداء حسرتها ولوعتها على موت النخوة والرجولة المصرية، التى نتغنى ونفتخر بها فى تراثنا الشعبى والسياسي، بعد أن هرب المجرمون.

كلا الجانبين ليسا بيت القصيد، وفيهما ما فيهما من السلبيات الضارة بالأمن القومى والسلم الاجتماعى مع علمى بأنهما يُقدمان ومعهما مبررات وتأويلات تسحر أبصار وعقول الناظرين الذين يتحولون دون تفكير لأبواق دعائية تكرر، كالببغاء، فى مجالسها ومنتدياتها الساهرة ما تلوكه المنصات الإعلامية الإخوانية والداعشية التكفيرية والمتطرفة من معلومات وتحليلات مغلوطة تدس فى معيتها السموم والاباطيل التى تنطلى على بعضنا وتجعلهم يتعاطفون ولو قليلا مع الإرهابيين.

أما إن كنت ساعيا لمعرفة بيت القصيد المنتظر والمأمول أن يشغل بالنا وجهدنا فإنه يتركز فى مسألتين، المسألة الأولى أن هجوم البدرشين علامة على بدء التنظيمات الإرهابية مرحلة الاحتضار، فهى محاصرة بحيز ضيق جدا فى سيناء، وتوجه إليها الضربات المتتالية الموجعة، وتفقد قياداتها الميدانية والروحية خلال الهجمات على أوكارها الشيطانية، وتعجز عن ادخال أسلحة وذخيرة وعناصر تعوضها خسائرها البشرية المستمرة، نظرا لإحكام السيطرة والرقابة على الحدود مع ليبيا وقطاع غزة، ونزوح تكفيريى داعش من العراق وسوريا وعدم قدرتهم على التواصل الدائم مع التنظيم الإرهابي. يضاف لذلك عدم حصولها على كفايتها من التمويل الذى كانت تغدقه قطر عليها ـ ولا تزال ـ للإضرار بالأمن القومى المصرى أبلغ ضرر من الممكن تحقيقه، وتركيع المصريين وإجبارهم على التقوقع بشرنقة الخوف وما يتبع ذلك من تأثيرات اقتصادية سلبية، كتراجع معدلات الإنتاج، وزيادة شحنات التوتر والغضب بين الناس، وانتعاش جو الشائعات والأكاذيب المغلفة فى ورق سلوفان لإضفاء مصداقية عليها، وإقناع الآخرين بها.

الحصار والمطاردة المتواصلة لفلول جماعات العنف والتطرف، ومعها تضييق الخناق على الدوحة من قبل دول مكافحة الإرهاب جعلها تفقد صوابها وتحولت إلى فأر مذعور يفتش عن مكان يختبئ فيه، وحتى تحافظ على كيانها الهش والمعنويات المنهارة للمرتزقة الذين انضم أغلبهم إليها طمعا فى المال والغنائم من المال والسبايا فانها تنفذ هجمات متفرقة علها تحدث دويا وخلخلة فى التماسك الاجتماعي، مثل ما جرى بالبدرشين، ومن قبلها استهداف كمائن المحور، والطريق الدائري، لتؤكد أنها لا تزال قوية وحية وتستطيع الإيذاء وقتما شاءت، فهجماتها إشارة ضعف وليس قوة وسيكون خطأ فادحا إن فسرناها من أى جانب آخر.

وفى الوقت نفسه لا تكف الاذرع الإخوانية الخبيثة عن القيام بحملات تشوية فى العواصم الأوروبية والولايات المتحدة لكل كبيرة وصغيرة تخص مصر، وإظهارها كبلد غير مستقر أمنيا، وأنه سيكون من الأحسن التوقف عن إرسال سائحين إليها حتى حين، قد يطول وقد يقصر، كل هذا يتم كلما ظهرت بوادر تحسن نسبى فى أحوال السياحة المصرية المعروف قدر ومستوى معاناتها وهمومها فى الأعوام الماضية، وما حادث طعن أحد الشباب لسائحات أجنبيات فى الغردقة بعد ظهر الجمعة الماضى سوى تأكيد عملى لما سبق، ولاحظ دلالات اختيار الزمان والمكان التى تنم عن تعمد لافشال كل المساعى المبذولة من طرف الدولة والقطاع الخاص لاستعادة جزء من الزخم السياحى فى موسم إجازات الصيف، خاصة من أوروبا .

المسألة الثانية الواجب مراعاتها حق الرعاية ألا نمنح الإرهابيين فرصة للاحساس بالزهو والانتصار، ففى واقعة البدرشين جرى بث فيديو سريعا لكيفية تنفيذها بداية من مشهد الدراجة البخارية المعطلة وحتى الاقدام على التمثيل بجثث الشهداء، وتلقفته المواقع الإخبارية والفضائيات لتعيد وتزيد فيه، وتبثه مرارا وتكرارا.

وذلك فيه خدمة كبيرة للمتطرفين بدلا من محاصرتهم وانزال العقاب اللازم عليهم وعلى معاونيهم، لأنهم سيقولون فيما بينهم والابتسامة تعلو وجوههم الكالحة السوداء من افعالهم المشينة: أرأيتم كيف فعلناها دون أن يتصدى لنا أحد، ونحن قادرون على الوصول إليكم أينما كنتم؟

ثم أليست اللقطات المصورة بواسطة كاميرا محطة البنزين القريبة من موقع الجريمة أو غيرها خيطا حيويا لجهات التحقيق قد يقودها للفاعلين فلماذا لم يتم التحفظ على شريط الفيديو ووضعه تحت تصرف النيابة، حفاظا على سرية ما يحتويه من معلومات وخيوط، وصونا لمشاعر أهالى الشهداء الذين لم تجف دماؤهم بعد؟

وبلا غضب وتوخيا للمصلحة العامة فإننا كأفراد فى احتياج عاجل لتعلم ثقافة المحافظة على الأدلة المتخلفة عن العمليات الإرهابية، فحب الاستطلاع يكون طاغيا لدى المواطنين الذين يودون مشكورين مساعدة المصابين، لكنهم فى واقع الأمر يطمسون بعشوائية الدخول والخروج من المكان الكثير من القرائن المهمة جدا.

دور الإعلام هنا توعية أهلنا بكيفية التصرف، وأن نرشد تسابق البوابات الإخبارية على بث الفيديوهات المتصلة بالإرهاب، وأدرك تماما أنه يستحيل منع بثها تماما على اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي، لكن على الأقل جعلها مقصورة على تلك التى تحرض على الإرهاب والترويج له، ما سلف جزء من خفايا حادثة البدرشين مطلوب منا امعان النظر فيها، لمقاومة الإرهاب وهزيمته شر هزيمة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف