بوابة الشروق
خولة مطر
وعليكم السلام والرحمة!
تضيق المدينة بسكانها، تلفظهم إلى الخارج إما البحر أو الجبل، ورغم ذلك لا تخف زحمة وفوضى المدن، فهذا فصل الصيف والقادمون كثر كثر وفى أغلبهم ليسوا لا من السياح ولا المصطافين فقط العائدين من مدن الرزق، المشتاقين لما يسمونه الوطن هو الآخر بقى وطنا.. ربما لأنه الحنين وكثير من الذكريات والأحبة وبقايا تاريخ وانتماء!
تكثر الوجوه العابسة وسط زحام الطرق رغم الهروب المستمر فإن المدن تصاب بتخمة البشر.. فتكتظ الشوارع، لا أحد يعرف السبب ولا حتى تحديد ساعات الذروة ليستطيع المرء تفاديها.. لا نمط ولا تفاصيل للازدحام، ولا تفسير منطقيا كما هو حال المدن الأخرى؛ حيث يستطيع السائق معرفة ما هى المناطق والأوقات التى يتفاداها.. فهنا كما حال الفضوى فى السياسة والاقتصاد، هناك أيضا فوضى الشوارع والمرور.. يشتد الحر فيصيب الجميع لسعة الحرارة لتخرج للعلن تفاصيل الشخصية العربية الجديدة، تلك التى تتصور أن التحضر فى السيارات الفاخرة وتدخين السيجار فيما الألفاظ والعبارات والشتائم لا تنتمى لا للعلم ولا للتحضر ولا للمدنية ولا للإنسانية.. فى زحمة الطرق يتساوى الجميع فى مستوى الحوار، ذاك السائق العمومى المسرع بعربته المكتظة وتلك السيدة الجميلة فى سيارتها المكيفة.. يتساوى العربى فى الشارع فلم يعد هناك شىء اسمه رجل الشارع وسيدة الصالونات كلهم أو كلهن يستخدمون نفس اللغة ونفس الألفاظ والتهديدات والعبارات النابية.. فى الطرق ليس للعربى المتبقى أو المتمسك بتلك القيم والأخلاق، أى مساحة ليختبئ بها بعيدا عن لسع كلماتهم.
تغمض عينيك لتبعد المشاهد المتعبة أو القبيحة، فتسمع الصراخ والعبارات النابية والتهديد والشتائم إما لأنك لا تسرع فى السير فى طريق لا توجد فيه مساحة لإبرة فكيف لعربة من شدة الازدحام فتتساءل كيف لى أن افسح الطريق لتلك السيدة التى كانت حتى قبل لحظات تبدو شديدة الأناقة والتحضر، فما إن تفتح فمها فتتساقط «الدرر» من الكلام الذى لا تسمعه إلا فى بعض المسلسلات والأفلام عن مناطق البؤس والعشوائيات.. تبقى هى تلوح بيدها من خلف زجاج سيارتها الفاخرة أو حتى تفتح الشباك قليلا حتى تضمن أنك والآخرين فى الشارع يسمعون عباراتها تلك، ربما لا تدرك هى مدى الانحدار الذى تعبر هى عنه فى مجتمعات أصبحت بحاجة لإعادة تأهيل حتما دون البحث عن الأسباب والمبررات. ربما يكون بعض الزوار من الأوروبيين محقين عندما يقولون إن العرب ــ قد أو ربما ــ يتطورون إذا ما استطاعوا أن يحترموا قوانين السير أولا قبل أية قوانين أخرى! وأخلاقيات المناطق المتعايشة أى الشوارع والطرق والميادين التى هى للجميع وعلى الجميع أن يعرف أن لها اخلاقيات وأنظمة حتى لو لم يشرعها القانون والبرلمانات التافهة!
تغمض عينيك مرة أخرى متصورا أن بإمكانك محو هذه المشاهد من الذاكرة والطريق لا يزال مكتظا والسيدة مستمرة فى التلويح وكيل الشتائم لك ولعائلتك و «لمن خلفوك» و لكل السائرين من حولك بل كل المحشورين فى ذاك الطريق.. تتساءل لماذا تبقى العصافير فى سمائنا ولماذا يجلس الحمام عند حافة شرفتك كل صباح، وهى، أى العصافير والحمام، قادرة على أن تحلق بعيدا لترحل لمكان بمساحة للانسان أبعد عن التوحش الطاغى والانهيار الذى بدأ وكأنه ممنهج لمجتمعات لا تزال تتغزل بحضارتها منذ آلاف السنين، وبأديانها التى أهم سماتها الرحمة فتكتظ دور العبادة وترحل الرحمة عن الأرض العربية فلا يبقى سوى القحط وكثير من الزبد وبعض وجوه عابسة وأخرى تمسح عرقها الساخن وهو يتساقط فى صيف آخر.. وعربات فاخرة لم نصنعها ولا نعرف كيف نوجهها فهى لم تصنع لتكون فى لأيدى الجهلة وكثير من مظاهر التمدن المزيف والحضارة الأسمنتية فيما قالوا منذ سنين أيضا: إنما الأمم الأخلاق، وعليكم السلام والرحمة، ومرحى لأنظمة لا تتقن سوى بناء السجون والأسوار والعزلة، ولا تملك سوى سلاح الحضر، ولا تعرف شيئا عن الحوار سوى عندما تلتقى برؤساء وزعماء دول كبرى، فيكون من الواجب استخدام مفردات الموضة الرائجة!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف