الوطن
نهاد أبو القمصان
شهادة تفوق حزينة
تشهد البيوت المصرية مع إعلان نتيجة الثانوية العامة إما فرحة عارمة تصدح فيها الزغاريد ويتم تبادل التهانى، أو كمداً كبيراً ويسود الحزن. ومكمن السعادة أو الكمد لا علاقة له بالضرورة بدرجات معينة، فالبعض يفرح بمجموع متواضع ويرى مجرد النجاح انعتاقاً من عبودية الثانوية العامة، والبعض يحزن رغم مجموعه العالى لأنه لم يحرز ١٠٠٪‏، وإنما يكمن فى تصور كل أسرة عن النجاح وتقديرها لما يُعد نجاحاً.

وهنا لدىّ بعض الملاحظات:

إن أوائل الثانوية العامة أكدوا على أن المدرسة لم يكن لها دور فى أى نجاح أو إنجاز، فقد أسقطت المدارس العامة والخاصة أيضاً السنة الثالثة ثانوى من حساباتها، لا فصول، لا جداول، ولا مدرسين، رغم تحصيل المصروفات الدراسية كاملة، والتى تصل لمبالغ طائلة.

لم يذهب طالب واحد من الأوائل أو غير الأوائل إلى المدرسة، كتبوا شهادة وفاتها، وبالتالى كتبت المدارس شهادة وفاتها علمياً واجتماعياً.

غياب وزارة التربية والتعليم عن المشهد تماماً وعدم قدرتها إما تواطؤ وفساد أو ضعف وقلة حيلة على إلزام المدارس بتقديم خدمة تعليمية للثانوية العامة، وهنا أشفق على وزير التعليم الذى أراه مضطراً أن يتصل بالطلاب الأوائل يهنئهم على نجاح لم يكن للوزارة أى دور إيجابى فيه، وإنما دور شديد السلبية بترك أولادنا وأسرهم نهباً للدروس الخصوصية والمراكز والسناتر.

وهناك أزمة الوعى بدور المدرسة التى من المفترض كونها أكبر من مجرد مكان يتلقى فيه الطلاب العلوم النظرية، وإنما هى مكان لتعلم الحياة ومهارات التواصل، وهو ما تراجع بصورة مخيفة مع تراجع الأنشطة الفنية والرياضية والثقافية للمدارس فلم يعد الطلاب يذهبون للمدارس، ومطلوب منهم أن يحشوا داخل عقولهم مواد ربما جيدة لكنهم لا يدرسونها وإنما يحفظون ما بها أو تلخيصها. وهنا أود ذكر واقعتين فى لقاء مع طالبات ثانوى، أعتقد أن الواقعتين صفعة لنظام التعليم المصرى كاملاً:

الواقعة الأولى لطالبة ثانوى من صعيد مصر فى زيارة للإسكندرية، عندما رأت البحر لأول مرة سألت سؤالاً عجيباً وصادماً: «من زرّق البحر وكام شوال من الزهرة الزرقاء استُخدم؟».

هذا سؤال جاد جداً من شابة تتعجب من بحر درست فى الجغرافيا أن اسمه البحر الأبيض المتوسط فوجدته أزرق.

سؤال آخر من شابة أخرى: كيف ضربت اليابان أمريكا فى «بيرل هاربر»، والمعضلة عندها، كيف واليابان فى أقصى الشرق وأمريكا فى أقصى الغرب؟

فى الحقيقة هى درست تاريخاً، لكن لم يكن هناك مدرس ولا مُدرسة تعلمها، على كرة أرضية مدوّرة، التاريخ أو حتى الجغرافيا، لكنها درست خريطة العالم على ورقة مسطحة فكانت كل المعلومات مسطحة لتوضع فى الامتحان ثم تنزلق من الذاكرة بحيث لا يبقى علم أو مهارة أو سلوك. نظام تعليمى يخلق وهم التفوق بالدرجات فى الثانوية العامة والتدليس على الأولاد بما يسمى كليات القمة، لنضع الطلاب وأسرهم فى مفرمة المجموع والتنسيق ودخول كليات تسمى «كليات قمة» فى الوقت الذى يئن فيه خريجوها من البطالة واليأس والإحباط والعمل فى تخصص مخالف لما استُنفدوا فى دراسته.

عندما أُعلنت نتائج الثانوية العامة سعدت جداً بأولادنا، ولكن عندما سمعتهم شعرت بحزن عميق، فقد أجمعوا أن دور المدرسة انتهى..

وأرجو ألا يكون إلى غير رجعة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف