اليوم السابع
جمال اسعد
الديمقراطية بين الأحزاب والنخبة
الديمقراطية كلمة ذات شجون، يكثر حولها الحديث قديمًا وجديدًا، وإذا كانت الديمقراطية نظامًا سياسيًا يعنى حكم الشعب بالشعب وللشعب، فهذا هو المفهوم العام والمدلول الأساسى والنتيجة النهائية، بل الهدف الاستراتيجى لهذه الديمقراطية، أما طريقة ممارسة الديمقراطية وآلياتها والنتائج المتحققة من هذه الممارسات فتختلف من بلد لآخر، نتيجة للظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، تلك الظروف التى تحدد العلاقات السياسية بين نظام الحكم والجماهير، كما أن الديمقراطية ومنذ أن عُرفت فى اليونان قبل الميلاد لم تكن تعنى المساواة فى مشاركة الشعب فى أن يحكم نفسه، بل كانت هذه الديمقراطية تقتصر على النخب وعِلية القوم، ولا مكان فيها للفقير أو الفرد العادى من الشعب.

ولكن تطورت الديمقراطية عبر العصور، نتيجة الأفكار السياسية التى وضعها الفلاسفة، أمثال جان جاك روسو، وأخذت الفكرة العامة فى التطور عن طريق الأساليب المستحدثة فى الفكر السياسى، وكان أهم هذه الأساليب هو ما يسمى بالعقد الاجتماعى والحياة الحزبية، فالديمقراطية تعنى مشاركة الشعب فى اتخاذ القرار السياسى، وهذا كان يتم فى العصور الأولى عن طريق ما يسمى بالديمقراطية المباشرة، وهى اجتماع النخبة لاتخاذ القرار، ولما لم تعد هذه الوسيلة مناسبة، أخذت الديمقراطية شكلًا غير مباشر، أو الديمقراطية بالإنابة، وهى أن ينتخب الشعب من ينوب عنه ليمثله فى التعبير عنه وعن مشاكله وفى اتخاذ القرار.

ولما كان هناك ما يسمى بالصراع الطبيعى بين الطبقات لتعارض المصالح كانت الأحزاب، وهى الجماعة الجماهيرية التى تتفق وتتوافق حول برنامج حزبى وسياسى يحقق مصالحها، وتعمل هذه الجماعة على التسويق، عن طريق هذا الحزب، لبرنامجها، حتى يستحوذ على ثقة الجماهير لتصل إلى أغلبية البرلمان، كى تتمكن من تطبيق هذا البرنامج عن طريق الحكومة التى يقوم الحزب بتشكيلها.

وإذا كانت الانتخابات هى التى تحدد هذه الأغلبية التى ستحكم، فهى لا يمكن اختصارها فى الصندوق الانتخابى فحسب، فالأمر أعمق من ذلك، والأهم هو حرية الإرادة والاختيار الحر للمواطن فى إبداء رأيه دون وصاية دينية أو سياسية أو اقتصادية أو قبلية. وبغياب تلك الحرية، وبفرض هذه الوصايات، تنتفى الحرية الحقيقية، وتسقط الديمقراطية، وتتحول إلى شكل بلا مضمون، فالفكر الدينى الذى يستغل الدينى لصالح السياسى وصاية، وصاحب العمل الذى يجبر العمال على اختيار بذاته وصاية، والمناخ الطائفى الذى يحدث فرزًا طائفيًا يجعل المسلم ينتخب المسلم والمسيحى يختار المسيحى وصاية، وهذا هو حال الدول التى تأخذ الديمقراطية شكلاً ولا تسعى لتعزيزها وتكريسها موضوعًا.
وإذا كانت الديمقراطية قد ارتبطت بالأحزاب، فنحن لم نعرف الأحزاب إلا فى نهاية القرن التاسع عشر نقلًا محرفًا شكليًا عن الأحزاب، ولما كانت الجينات المصرية المترسبة والمتراكمة فى الضمير الجمعى المصرى، وهى تقديس الفرد، فمنذ الفراعنة وكان الحاكم هو الكاهن وهو الإله، هذه الموروثات فى جانبها السلبى قد رسخت الفردية، وأكدت الذاتية، وهذه صفات بعيدة عن الممارسة الحزبية الصحيحة التى تعتمد على الفكر والبرنامج والجماهير، فكانت النتيجة أن تعتمد هذه الأحزاب على الفرد، فمنذ عرابى إلى مطصفى كامل، ومن سعد زغلول إلى عدلى يكن، حيث كان الاستقلال مرفوضًا لو جاء على يد عدلى يكن وليس سعد زغلول، ثم كان النحاس، وبعد تجربة الأحزاب عام 1978 كانت الفردية هى الامتداد الطبيعى، فكان خالد محيى الدين، وإبراهيم شكرى، وفؤاد سراج الدين، وكان الحزب الوطنى مرتبطًا بالسادات ومبارك، ولا وجود حقيقيًا لهذه الأحزاب بعيدًا عن الأشخاص، الشىء الذى أفشل الحياة الحزبية قبل عام 1952 وبعدها وحتى الآن، فالأحزاب لدينا هى تكتلات وتجمعات انتهازية لا تسعى لغير مصلحتها ووجودها الإعلامى.

وعلى هذه القاعدة، فعمليًا الحياة السياسية فى مصر لم تعتمد على فكرة الأحزاب، بقدر اعتمادها عند اللزوم على الأفراد المتزعمين، أو ما يطلق عليهم النخبة. وبغياب الأحزاب الحقيقية تغيب الرؤية السياسية والبرنامج الحزبى، وهما الأعمدة الأساسية للديمقراطية، وبغياب الرؤية والبرنامج تكون الرؤية الشخصية التى لا تستطيع إسقاط مصلحتها الخاصة أو التنازل عنها، ولذا تكون هذه النخبة لا علاقة لها بالسياسة ولا بالجماهير ولا قضاياهم، فالأهم هو تحقيق مصالحهم الذاتية، وهؤلاء غير المناضلين الحقيقيين، الذين يؤمنون بالجماهير وينتمون للوطن، ويعتبرون أن مصلحتهم لا تتحقق بعيدًا عن مصالح الجماهير، هذه هى النخبة التى تناضل وتبذل نفسها من أجل الجماهير، وتدفع الثمن دائمًا، ولا تطالب ما لنفسها.

فهل نخبتنا تدفع الثمن، أم تطلب الثمن وبلا مقابل؟!.. نخبتنا ادعت أنها قامت بهبة 25 يناير، وهى تعلم أن يناير كانت نتيجة تراكمات وصلت إلى المنتهى، بفقد السلطة للشرعية الجماهيرية. النخبة ركبت موجة الجماهير، وسلمت السلطة للإخوان، فالجماهير خرجت وبحق كما لم تخرج قبل ذلك فى 30 يونيو، وركبت النخبة أيضًا على الجماهير، ولكن كما كانت هذه النخبة لا تمتلك الموقف والبرنامج والرؤية، والأهم الإيمان بالجماهير والاستعداد لدفع الثمن، انفصلت عن الشارع، ولم يتبق أدنى علاقة بينهما، فكان البرلمان الذى لا يعتمد على أحزاب حقيقية ذات رؤية سياسية، ولكنه يعتمد على ما يسمى بالمستقلين، أى الذين لا برنامج لهم ولا رؤية غير مغازلة أبناء الدائرة، وهذا لا ولن يكون فى صالح 30 يونيو، ولا فى صالح مصر.

فلا ديمقراطية دون أحزاب، ولا أحزاب دون رؤية سياسية، ولا سياسة بغير معارضة، فهى لصالح النظام، التأييد الموضوعى لصالح الحكم، والمعارضة الموضوعية عين الحكم، حتى نرى الأشياء على حقيقتها. فلنفتح باب السياسة حتى تكون مصر لكل المصريين بحق، ولنقف جميعًا ضد أعداء الوطن الذين لا يريدون له الخير.. حفظ الله مصر وشعبها العظيم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف