المصرى اليوم
مراد وهبة
أصوليات هذا الزمان جوش إمونيم (26)
إثر انتهاء حرب 1967 نشأت حركة راديكالية فى إسرائيل أطلق عليها اسم جوش إمونيم ومعناها «كتلة المؤمنين» وهى التى أنشأت المستوطنات التى كانت موضع رفض من الحكومة ومن الرأى العام الإسرائيلى لأنها اقتحمت تجمعات فلسطينية بهدف طردها وضمها إلى أرض إسرائيل الكبرى. وانتهت إلى إنشاء 120 مستوطنة يشغلها 80.000 مستوطناً، وبذلك دخلت فى صراع ضد قيادات الدولة وأحدثت توتراً بين اليهود الإسرائيليين وذلك لأنها التزمت بما جاء فى التوراة وليس بما تسنه الحكومة من قوانين مدنية. ومع ذلك فقد واجهت جوش إمونيم أزمة حادة إثر توقيع اتفاقيات كامب ديفيد فى عام 1978 التى وصفتها بأنها تنطوى على خيانة الشعب اليهودى. ثم ازدادت حدة الأزمة فى عام 1982 عندما قامت الحرب بين إسرائيل ولبنان وما تلاها من انهيار الحكومة الإسرائيلية وصعود معسكر السلام والمقاومة الفلسطينية العنيفة ضد المستوطنات. وترتب على ذلك صعود الهجمات الإرهابية ضد المؤسسات والقيادات العربية فى الضفة الغربية. وكان من شأن ذلك أن واجهت جوش إمونيم إدانة من العالم الخارجى وانقساماً فى الداخل، وتساؤلا عن مشروعية التطرف الدينى خاصة إذا كان موجهاً ضد اليهود أنفسهم. وقد استغرقت هذه الأزمة ثلاث سنوات من عام 1984 حتى نهاية عام 1987 الذى نشأت فيه الانتفاضة الفلسطينية فى المستوطنات. ومن هنا عادت جوش إمونيم إلى الصدارة محققة أهدافها، وعندئذ هدأت الانتفاضة وعندما سئل قادة جوش إمونيم عن هوية هذه الأهداف كان الجواب «إحياء المقدس» و«إحياء الصهيونية» ولا تناقض بينهما. وشعارها «لا تنازل عن أى شبر». ومع ذلك فالمفارقة هنا أن أحد أقطاب هذه الحركة أعلن أن أرض إسرائيل هى للشعب اليهودى، ولكنها بركة لشعوب الأرض كلها بما فيهم العرب لأن التعايش السلمى مع العرب أمر لازم. ومع ذلك فإن هذه الرؤية الكونية قد ألهبت العنف الدينى لقتل العرب.
وتأسيساً على ذلك يمكن القول إن جوش إمونيم حركة راديكالية بثلاثة معان: المعنى الأول يكمن فى إرساء أرض إسرائيل الكبرى مع تجاهل حقوق العرب. والمعنى الثانى يقوم فى فرض الدين على القطاعات العلمانية. والمعنى الثالث يشير إلى رؤيتها الكونية. والحركة فى كل ذلك لديها مفهوم ثورى عن اليهودية من حيث إنها تصور الصهيونية على أنها المكون المحورى للدين بمعنى أن الصهيونية دينية كما أن الدين اليهودى صهيونى، ومن ثم فإن الأصولية اليهودية بدورها مولودة من الصهيونية الدينية. ومع ذلك فإن جوش إمونيم حزينة بسبب الاعتراف الدولى بالدولة الفلسطينية.

ويبقى بعد ذلك سؤال ينطوى على تناقض وهو على النحو الآتى: ما مدى مشروعية تحالف جوش إمونيم مع الملحدين؟ وهنا يلزم التنويه بأن الجواب عن هذا السؤال يتعلق بمستقبل الحركة. فالأمر الحاصل يكمن فى عدم الإقبال على الدخول فى عضوية الحركة، إذ لا أحد من العلمانيين يقبل الانضمام إلى الأصولية اليهودية الصهيونية. ومع ذلك فإن وضع العلمانيين فى انحدار بسبب صعود الأصولية اليهودية لأنها استجابة ضد أزمة الحداثة وليست رد فعل ضد الحداثة ذاتها.

وهنا أخرج عن النص لأحكى خبرتى مع الأصولية اليهودية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف