المصرى اليوم
ياسر عبد العزيز
قطر.. طباخ السم
يصعب جداً الدفاع عن العقيد القذافى وعن حكمه الذى كان أنموذجاً لخليط مأفون من الخطل السياسى وأوهام العظمة والاستبداد الكلاسيكى، لكننا نعرف الآن أن الطريقة التى أُطيح بها هذا الحكم، أدت إلى سقوط الدولة الليبية، وتفتتها، وتحولها إلى ساحة للاقتتال، وموئل للإرهاب.

كانت أسباب انهيار حكم القذافى موجودة إذن، لكن المسار الذى اتخذته الأحداث فى ليبيا فى أعقاب هذا الانهيار لم يكن عشوائياً على الأرجح، بل كان نتاج تخطيط وتدبير قوى دولية وإقليمية، أرادت أن تأخذ البلد لاحقاً إلى حالة من الفوضى والخراب، لتقع فى أيدى الجماعات المتطرفة، فى غيبة أى مشروع سياسى متكامل، يمكن أن يعيد بناء الدولة على أسس تضمن الاستقرار.

يبرز الدور القطرى واضحاً فى إسقاط نظام القذافى، وقتله، واتخاذ تدابير سياسية تضمن بقاء السلاح فى أيدى المسلحين، واستمرار ذرائع القتال والفوضى، وتصليب قيادات إرهابية، لكى تبقى ليبيا بعيدة عن الاستقرار والتعافى، وتصبح منطلقاً لموجات من الإرهابيين، الذين يستهدفون أمن الدول المجاورة.

كانت قطر، البعيدة جغرافياً، والمحدودة الكتلة الحيوية، والطارئة على تاريخ المنطقة، تلعب دور دولة عظمى فيما يخص الشأن الليبى، عبر استخدام أدواتها النافذة، التى تمثلت فى دبلوماسية نشطة، وفوائض مالية هائلة، وقدرات عسكرية، وذراع إعلامية مؤثرة، وطموح لا يحده سقف.

لذلك، فقد أقام أمير قطر السابق ورشة ضخمة، وسخّر لها إمكانيات خارقة، من أجل أن يضمن أن تسقط الدولة الليبية، وأن يُقتل القذافى، وأن يتولى الإرهابى عبدالحكيم بلحاج، أمير الجماعة الإسلامية المقاتلة، السلطة، وعارض جمع السلاح من أيدى المقاتلين، ودس الأموال فى جيوب ليبيين أرادوا البحث عن دور أو منصب أو غنيمة على جثة وطنهم.

كانت تلك معلومات موثقة، ذكرها، وبرهن عليها، قادة ليبيون، ودبلوماسيون أجانب، أكدوا أن الدور القطرى لم يقتصر على الدعم السياسى واللوجستى فقط لخطة إسقاط الدولة الليبية، بل تعدى ذلك إلى لعب أدوار دينية وإعلامية، شكلت غطاء سياسياً وقدمت ذرائع دينية لتلك الخطة الشريرة.

لذلك، فقد شنت قناة «الجزيرة» هجوماً مركزاً على الوضع الليبى، تضمن ساعات طويلة من البث، الذى استهدف تعزيز نزعات الفوضى والتخريب، وعجّل بسقوط «باب العزيزية»، حصن القذافى المنيع، وصوّر للعالم أن ما يجرى فى ليبيا ليس سوى «ثورة شريفة» تستهدف «ديكتاتوراً شريراً».

اختلقت «الجزيرة» وقائع، وفبركت صوراً وفيديوهات، وشوهت حقائق، وشيطنت القذافى، وجعلت المسلحين فى صورة «الملائكة»، ووطدت لتنظيم «الإخوان»، وحرضت على العنف، وأثارت الكراهية.

وجاء الشيخ يوسف القرضاوى لكى يضع بصمته على تلك الجهود الشيطانية، ويعلن من منبره فى الدوحة قائلاً: «من استطاع أن يتقرب إلى الله بقتل القذافى.. فليفعل، ودمه فى رقبتى»، فى واحدة من أبشع صور استخدام الدين لتسويغ غرض سياسى، أصبحنا نعرف الآن أنه لم يؤد سوى إلى ضياع دولة وتشرد شعب، وتصدير مخاطر وفتن لا أول لها ولا آخر للعالم ودول الجوار.

يتداول نشطاء ليبيون وعرب على «يوتيوب» منذ أيام فيديو يصور كلمة ألقاها القذافى عشية مقتله، يخاطب فيها الحكومة القطرية قائلاً: «بارك الله فيكم يا إخوتنا فى قطر.. بدلاً من أن تكونوا معنا تكونوا ضدنا.. قد تندمون يوم لا ينفع الندم».

يبدو فعلاً أن القذافى كان محقاً، لمرة واحدة على الأقل، فيما قاله عن قطر فى رسالته تلك.

تتذوق قطر الآن بعضاً من السموم التى طبختها على مدى السنوات الفائتة، ويبدو أنها بدأت فى دفع أثمان ما أثارته من فوضى وخراب.. فقد حلت ساعة الحساب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف