الأهرام
عماد رحيم
اختبار جديد للحكومة
حالات الشد والجذب التى أعقبت زيادات أسعار المنتجات البترولية، تستدعى التوقف أمامها بشكل عاجل، مع استدعاء بعض المشاهد السابقة لنلقى الضوء على بعض النقاط المهمة لإيضاح الرؤية لدى المواطن ومن قبله الحكومة التى تدخل اختباراً صعباً قد لا يكون الأول ولكنه الأهم فى هذه الفترة الحرجة من عمر الوطن.

بداية لا خلاف على أهمية رفع الدعم الذى كان السبب الرئيسى فى ارتفاع عجز الموازنة لما يجاوز الـ10% وارتفاع الدين العام لـ 107% تقريباً، وهى نسب خطيرة تؤكد أننا أمام كارثة اقتصادية توجب اتخاذ قرارات حاسمة وعاجلة لعلاج هذا الخلل الكبير، لأن تأخر العلاج يعنى شللا إقتصاديا من شأنه دخولنا نفقا أسود، يصعب علينا الخروج منه.

لذلك كانت الأمور واضحة منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى زمام الحكم فى 2014 حينما صارح الناس بالأزمات وطرق العلاج، ومنها إعادة النظر فى رفع الدعم بشكل جذرى، وشاهدنا بعض القرارات الاقتصادية الفارقة مثل تعويم الجنيه، ووصول سعر الدولار لـ أكثر من 18 جنيها، بزيادة تفوق الـ 100 % من سعره آنذاك، وكلنا يعلم الارتفاع غير الطبيعى للأسعار بشكل جنونى، أصاب المواطن بصدمات غير محتملة، فى الوقت الذى لم تزد دخولهم لمواجهة الزيادة الكبيرة فى النفقات!

حيث سيطر الجشع على التجار، ولم تستطع الحكومة مواجهته، والنتيجة زيادة أعباء المواطن وضعف قدرته على الوفاء بالتزاماته الحياتية العادية، أضف إليها زيادة النفقات التعليمية والصحية.. إلخ، وهنا لابد من استدعاء تصريحات محافظ البنك المركزى وكذلك العديد من خبراء البنوك الذين هللوا لهذا القرار، مؤكدين أن السعر العادل للجنيه أمام الدولار ما بين 12 و13 جنيها، وأن هذا السعر سيشهد استقراراً ملموساً بعد 6 أشهر، ورغم التصريحات المتواترة عن ارتفاع حجم الاحتياطى الدولارى لأرقام غير مسبوقة، جراء القرارات الاقتصادية المتوالية، ومع ذلك مازال سعر الدولار يلامس الـ 18 جنيها حتى الآن!

ولأننا نستورد الجزء الأكبر من احتياجاتنا البترولية نعى أن حجم الدعم لها يفوق ما كان مخططا له قبل تعويم الجنيه بشكل كبير، وهو ما يستلزم عدم التأخر فى رفع الدعم وفق ما أعلنته الحكومة من قبل.

ولكن لماذا يخشى الناس رفع الدعم عن المنتجات البترولية، وإذا كنت تمتلك سيارة فلماذا تحتاج لدعم؟

إجابة الجزء الأول تؤكد أن وراء هذا القرار ارتفاع جديد فى الأسعار كما جرت العادة، لاسيما بعد ارتفاع أسعار السلع بسبب ارتفاع أسعار نقلها، وكذلك ارتفاع أسعار وسائل النقل بما يعنى زيادة معاناة الطبقات البسيطة رغم ما قررته الدولة من زيادة فى دعم مخصصاتهم من معاشات وسلع تموينية وخلافه.

أما إجابة الجزء الآخر من السؤال توضح أن النسبة الكبيرة من مالكى السيارات تعانى دخولهم من حالة ثبات نسبى منذ فترة طويلة، حتى العلاوات المخصصة لهم لا تعينهم على مواجهة رفع الدعم الذى تم إقراره ـ وتوابعه ـ، ومع عدم توفير بديل مناسب كوسائل مواصلات جيدة وبأسعار مناسبة، يظل استخدام السيارة هو البديل الأفضل!

وهنا يأتى الحديث عن الدور المفقود للحكومة التى صدرت للمواطن آمالا كثيرة ظلت ترددها على مسامعه ليلاً و نهاراً مؤكدةً أن تلك الإجراءات هى لمصلحته، وأنه لابد من إعادة هيكلة منظومة الدعم تماماً حتى يصل لمستحقيه، وأن المليارات التى توفرها من رفع الدعم ستذهب لرفع كفاءة النظام الصحى المهترىء الذى أضحى يتسول أموال المتبرعين ليتمكن من القيام بأدنى درجات الرعاية الصحية السيئة، وجزء آخر سيتم ضخه لتطوير التعليم الذى تذيل قائمة العالم بلا منافس، وحتى مع الطفرة التى شهدناها جميعا فى تطوير الطرق بشكل لم تشهده مصر على مر تاريخها. لم يقابلها تطوير للمرور الذى يعانى الناس بسببه ويفقدهم الوقت وكذلك يستهلك جزءا لا بأس به من الطاقة!

وعندما نذهب للزيادة المتوقعة لأسعار الخدمات الحكومية كالكهرباء، أجدنى أعيد طرح السؤال التالى، هل استطاعت الحكومة القضاء على نسبة الهدر فى الإنتاج التى قدرها البعض بـ 11% قبل رفع الأسعار؟ حسب معلوماتى، لا، ولنا أن نتخيل ما يمكن أن يوفره القضاء على هذا الفقد من تخفيف للأعباء على الموازنة العامة للدولة والمواطن بالتبعية.

وكأن المواطن يعيش فى واد منعزل مطالب فيه بتحمل آلام تلك الفترة الحرجة بكل تبعاتها وهو قانع، منتظراً اليوم الذى يأتيه محملا بنتائج صبره، والحكومة تعيش فى واد آخر غير الذى نعيش فيه، لا تعرف كيفية الاستفادة من صبر المواطن وتحويل تصريحاتها الوردية إلى واقع ملموس.

وأخيرا كان يمكن تفعيل الكارت الذكى للبنزين الذى تكلف مبلغا كبيرا لعدد معين من الليترات بسعر معقول وما يزيد يحاسب عليه بسعره الحقيقى كإجراء مرحلى وكذلك الحال بالنسبة لأنابيب الغاز، يحدد المستحق للدعم ويصرف له وتباع بسعرها الحقيقى، إنها بعض الأفكار التى من شأنها مساعدة البسطاء على مواجهة أزماتنا الاقتصادية الخانقة، ولا سبيل للخروج منها إلا بتكاتف الشعب مع الحكومة، آملين أن تنجح فى هذا الاختبار الجديد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف