الوطن
ماجدة الجندى
خسرنا ما يكفى.. ماذا سوف تفعل وزارة الزراعة فى «المتحف الزراعى»!
ما المعنى المقصود بأن متحفاً أو أثراً هو جزء من «التراث القومى» أو «التراث الوطنى»؟ المعنى بتبسيط، أرجو ألا يكون مخلاً، أن هذا الأثر أو المتحف حتى إن كانت تبعيته إلى جهة أو وزارة تنفيذية، فإنه يعنى وينتسب ويؤول إلى الجماعة الشعبية بأسرها، وأن الجهة التنفيذية التى أسند إليها مهمة الإشراف لا ينبغى أو تتصرف بغير نوع الرقابة الشعبية والنيابية ودور للمجتمع المدنى بأسره. فى غيبة المظلة الرقابية الفاعلة من الدولة والشعب فقدت مصر كما لا يستهان به من إرثها الوطنى، بدءاً من الآثار والمقتنيات التى لا تعوض واللوحات وأجزاء من متاحفها، وحتى أفلامها السينمائية التى بيعت أصولها وأصبحنا نشترى، إن أردنا، حقوق العرض. الفقد لم يكن مقصوراً على صيغة النقل أو التسريب أو البيع سراً، لكن التشويه والجهل والعنترية التنفيذية فى إسناد «العيش لغير خبازه» أفقدتنا على مدى عقود كنوزاً حقيقية، كنوزاً ليس من حيث القيمة المادية وحدها، لكنها كنوز من التاريخ الذى لا يعوض فعلياً، أهدرنا تاريخنا المجسد فى العمارة بحقبها المتنوعة، وهدمناها لنقيم العمائر الشاهقة والمولات، بينما الدول التى بلا تاريخ، تصطنع لها تاريخاً، وتستقطب به الدنيا. أقول كل ما سبق، وأنا أدعو الله ألا يكون مصير المتحف الزراعى المصرى أغنى وأقدم متحف زراعى فى العالم، يتجه إلى ما لا يحمد عقباه، بعد تضارب أقوال المسئولين فى وزارة الزراعة عن نيتهم لتطويره وإعادة افتتاحه خلال ثلاثة أشهر، وإسناد مهمة هذا التطوير «الإكسبريس» إلى إحدى شركات الهيئة العربية للتصنيع، التى إن كان كل مصرى يفخر بها كقلعة صناعية تتطور والظرف الوطنى، إلا أننا لم نسمع أن لها علاقة بفكرة التعامل مع تطوير المتاحف. وزير الزراعة الحالى ووزير أسبق للزراعة، ونائب وزير الزراعة الحالى، الثلاثة أدلوا بتصريحات، تضاربت أحياناً والتقت أحياناً، لكنها لم تحمل إلى المصريين أى شعور بالثقة أو الاطمئنان. بدأ الأمر بتصريح بأن التطوير المزمع سوف يتم فى ثلاثة أشهر، وأن ميزانيته خمسة وعشرون مليون جنيه، وإن افتتاحاً للمتحف سوف يكون فى عيد الفلاح المقبل! طبعاً لا المدة ولا الميزانية يمكن أن تشير لمعنى تطوير متحف، لأنك ممكن «تبيّض شقة» فى ستة أشهر، وليس ثلاثة أشهر، فكيف يمكن أن تطور تطويراً علمياً حقيقياً، متحفاً، هو فى حقيقة الأمر سبعة متاحف، واحد منها متحف للمقتنيات النادرة، وآخر للنباتات، وثالث للقطن وغيره؟ لن أقول لك إن الفرنسيين ظلوا يرممون مسرحاً فى منطقة السان جيرمان نحو خمس سنوات، فهذا من الكلام المكرر الذى بتنا نستسخفه من طول ما رددناه، لكن ليست المدة ولا الميزانية هما كل ما يخيف، لكن ما صرح به أحد كبار مسئولى وزارة الزراعة، ثم نفاه الوزير عن عزمهم استغلال مساحة الثلاثين فداناً المزروعة حول المتحف الزراعى، بأندر النباتات، وإقامة مول ومحلات ومواقع للترفيه وفندق و.. وعلى «غرار ما يحدث فى أوروبا»، كما أوضح المسئول، وبحجة جلب موارد للدولة وللمتحف واستغلال الأرض وهى الحجة أو المبرر «الفج» الذى يتم به تحويل مصر إلى مول كبير أو سوق مغطاة دون إدراك ولا وعى لأى قيمة. التجربة علمتنا أن إطلاق التصريحات، ثم نفيها، ليس إلا نوعاً من بالونات الاختبار، وأن النفى ليس ضماناً أبداً لإيقاف تنفيذ «الخطط اللوذعية» التى دمرتنا، لكن السؤال، وسوف نتظاهر بأننا نصدق نفى مسئول الزراعة لفكرة تدمير حديقة المتحف وبناء مول ومحلات وسأفترض أنه تطوير.. ما علاقة الهيئة العربية للتصنيع بتطوير المتاحف؟ أى تطوير علمى للمتحف فى ثلاثة أشهر؟! الوزارة بشرتنا بأن التطوير سوف يتم «بخطة إبداعية تحت إشراف استشارية تطوير متاحف من جامعة حلوان وأنه سيتم إقامة أجنحة للزراعات العالمية وغرز شجر زيتون باسم كل دولة وتصميم ميدالية توزع عند الافتتاح على المدعوين!! أى مدعوين وأى افتتاح، وما موقع كل هذا من التطوير العلمى لمتحف هو الأول والأقدم فى العالم؟ أين خبراء التخطيط المتحفى والمعماريون والمتخصصون، وعلماء هذا المجال؟ ثم كيف تم نقل وجرد المقتنيات النادرة للأميرة فاطمة؟ الأستاذة الدكتورة جليلة القاضى، أستاذة التخطيط العمرانى بالجامعات الفرنسية، والأستاذة حالياً بالجامعة الفرنسية، هى المنسقة لمشروع «متاحف الزمن الجميل» وهو مشروع مشترك ما بين صندوق العلوم والتكنولوجيا التابع لأكاديمية البحث العلمى وبين مجلس أبحاث الآداب والعلوم الإنسانية ببريطانيا ومشاركة جامعة شيفلد الإنجليزية والجامعة الفرنسية، يستهدف إنقاذ وإحياء مجموعة المنارات المتحفية التى تم تشييدها فى القاهرة ما بين منتصف القرنين التاسع عشر والعشرين، وهو مشروع علمى، له رؤية، وتصورات يشتمل على عشرين متحفاً، منها المتحف الزراعى والسكة الحديد، وبيت الأمة وعبدالوهاب والأمير محمد على بالمنيل وغيره.. وهى رؤية تم عقد أكثر من ندوة فى القاهرة ولندن، لبلورتها عبر أكثر من مستوى، وخاصة وهى تحاول اللحاق بالعلم وتوظيف الجرافيك وربط المراحل العمرية ما بين السابعة والاثنى عشر بثقافة المتحف وقد علمت أن أولى الخطوات الهمامة لوزارة الزراعة للتطوير المتحفى، أن قامت بطرد جمعية محبى المتحف الزراعى، وهى إحدى أدوات أو أجنحة مشروع متاحف الزمن الجميل، التى تضم خبراء معماريين ومتحفيين ومخططين ونخبة من المستشارين.!! المتحف الزراعى جزء من تراث الشعب المصرى، ولا يمكن أن تترك مهمة تطويره لوزارة الزراعة، مع كل الاحترام الواجب، لها كجهة تنفيذية شئونها الزراعة، ويا رب يقدرها على الزراعة! أما تطوير المتحف فلا أعتقد أن يدخل فى تخصص صرح كالهيئة العربية للتصنيع، مع كل الاحترام أيضاً، وشغل «الإكسبريس» ينفع فى حفر ترعة، أو رصف شارع، أما المتاحف والمقتنيات النادرة، فلها متخصصوها... خسرنا بما يكفى وفرطنا فى تراثنا بما يكفى ولم يعد بإمكاننا أن نكرر تجارب ماسخة، ونخسر للأبد أجزاء من تراثنا القومى، لمجرد قص شريط الافتتاح وتوزيع ميدالية!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف