الأهرام
عطية عيسوى
حلم السلام الهارب
حتى يستوعب قادة جنوب السودان أن تأمين نظام الحكم وأمن الدولة واستقرارها ليس باستخدام القوة ضد المعارضة وإنما بإشاعة العدل والمساواة فى الحقوق السياسية والاقتصادية وتحسين مستوى المعيشة واحترام حقوق الإنسان وتطبيق القانون على الجميع بالتساوي،لن يحدث استقرار ولا سلام فى بلد يعج بأكثر من 57 جماعة عرقية متصارعة لنيل ولو الحد الأدنى من حقوقها المشروعة.ومنذ اندلاع الحرب بين حكومة سلفاكير والمعارضة بقيادة رياك مشار قبل أربع سنوات لم يخرج منها طرف منتصراً تماماً ولا مهزوماً بالكامل وتعثَّر الحوار الوطنى الذى دعا إليه الرئيس ولم تتوقف الاشتباكات المسلحة نهائياً وضرب البلد رقماً قياسياً عالمياً فى سرعة تزايد عدد اللاجئين.

المعارضة رفضت الدعوة لحوار وطنى لحل الأزمة سلمياً ووصفوها بأنها محاولة أخرى منه لعرقلة تحقيق السلام بعد أن قال كير إن من حق كل واحد ما عدا مشار المنفى بجنوب إفريقيا أن يشارك فيه وأعلن عن إطلاق سراح المعتقلين السياسيين بالتزامن مع الحوار وطالب أجهزة الأمن بعدم اعتقال أى زعيم معارض يبدى رغبةً بالمشاركة فيه وأعلن وقف إطلاق النار من جانب واحد.لكن الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا شككت فى جدية وقف إطلاق النار مشيرةً إلى تزامنه مع موسم الأمطار التى عادةً ما تعرقل التحركات العسكرية وأخذت عليه تعيين جنرال قائداً للجيش رغم وضع مجلس الأمن اسمه بالقائمة السوداء وفرض عقوبات عليه لإشرافه على قتل مدنيين من قبيلة النوير داخل جوبا عام2013.كما علَّق مراقبون بأن الرئيس سبق أن أعلن مراتِ عن وقف لإطلاق النار ولم يفرج عن أى معتقل سياسى ولم يُبدِ أى مؤشر على نيته التفاوض مع الجماعات المتمردة وقالوا إنهم يشكون فى أن ينجح الحوار فى التوصل إلى سلام طويل الأمد.

لقد انشق عدد من كبار قادة الجيش وكونوا جماعات مسلحة اتفقت فيما بينها فى مايو الماضى على العمل معاً للإطاحة بسلفاكير احتجاجاً على ما وصفته بارتكاب الجيش انتهاكات متصاعدة لحقوق الإنسان وهيمنة قبيلته(الدينكا)على مقدَّرات البلد على حساب العرقيات الأخرى مثل النويرالتى ينتمى إليها مشار والشلُك التى ينتمى إليها المعارض البارز باقان أموم،بل إن هناك صراعاً فيما يبدو على السلطة داخل النظام دفع كير لإقالة قائدى الجيش وحرس الرئاسة وسط أنباء عن محاولة لاغتياله فى مايو.وكان من المقرر أن يبدأ الحوار الوطنى فى مارس لكن عدم توافر النفقات المالية لدى الحكومة عطَّله واشترطت الدول المانحة لكى تموله موافقة الحكومة على نشر قوات حفظ سلام فى العاصمة جوبا ومشاركة المعارضة المسلحة بقيادة مشار.حتى قمة تجمع دول شرق إفريقيا (إيقاد) التى تشرف على اتفاق السلام والتى عُقدت فى الشهر الماضى لبحث سبل تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية قاطعها سلفاكير وكأنها لا تخص بلده بدعوى أن وسطاءها غير منصفين ويتصرفون كأنهم لا يعيشون فى عالمنا!.

كلما امتدت الحرب وتأخر الحل السياسى تفاقمت الأزمة الإنسانية حيث شردت الحرب نحو ثلث السكان من ديارهم من بينهم مليونا طفل ودفعت نحو 1,8 مليون(86% منهم نساء وأطفال)للفرار إلى دول الجوار هرباً من القتال والجوع والجرائم الإنسانية التى يرتكبها أفراد من الجيش والميليشيات المسلحة الموالية له والمتمردين وطالبت مفوضية الأمم المتحدة العليا لشئون اللاجئين الحكومة بأن تتحمل مسئوليتها لوقف أسرع أزمة لاجئين تفاقماً فى العالم واصفةً ما حدث فى بعض المناطق بأنه تطهير عرقى وأعلنت عن حاجتها إلى 1،4 مليار دولار من الجهات المانحة لإنقاذ حياة اللاجئين حتى نهاية العام قائلةً إن الأوضاع تزداد سوءاً فى جنوب السودان بسبب الصراعات والجفاف والمجاعة مما يجبر الناس على الفرار بأرقام قياسية وضربت لذلك مثالاً بفرار ما بين 60% و70% من سكان بلدة ياى على مسافة 150 كم جنوب غرب العاصمة جوبا والبالغ عددهم نحو 300 ألف من ديارهم حتى سبتمبر الماضي.كما اتهمت منظمة العفو الدولية القوات الحكومية بتشريد عشرات الآلاف من المدنيين بولاية أعالى النيل خلال حملة شنتها بين يناير ومايو 2017 لاستعادة أراضِ من جماعة مسلحة متمردة تنتمى لقبيلة الشُّلك بمساعدة ميليشيات محلية فى قصف وإحراق البيوت ونهب ما فيها من غذاء وأثاث وحتى أبوابها الخارجية!.

لقد تعددت الإتهامات لكل من قوات الحكومة والمتمردين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من بينها الإغتصاب بتهمة مساعدة الطرف الآخر وأصدرت الأمم المتحدة فى إبريل الماضى تقريراً يحمِّل الحكومة مسئولية معظم القتال وما ترتب عليه من مجاعة قائلةً إن الهجمات تنفذها عادةً ميليشيات وجنود ينتمون للدينكا(عرقية الرئيس)فى الوقت الذى اتهمت فيه وزيرة التنمية البريطانية بريتى باتيل الحكومة بمنع وصول المساعدات للمحتاجين وباستخدام الغذاء كسلاح حرب ووصفت ما يجرى بأنه تنفيذ لسياسة أرض محروقة حيث تُرتكب مذابح وتُشق حلوق وتُحرق قرى عن آخرها وهى فظائع ترقى إلى حد الإبادة الجماعية رغم نفى الحكومة المتكرر لتلك الاتهامات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف