الأهرام
عزت السعدنى
يا صاحبة المكان‏..‏ يا أقوي من الزمان‏..‏
عمنا وتاج راسنا وشاعرنا الجميل الرقيق المؤدب جدا والمهذب جدا الذي اسمه مصطفي الضمراني.. صاحب أخلد وأرق الأبيات الشعرية العامية في تاريخ الصبا والنهاوند والسيكا في أغاني وأشعار العشاق الذين ذابوا شوقا وذابوا شعرا مازال يتردد علي شفاه وفي قلوب كل من أحب فصدق وكل من صدق في حبه وطار علي أجنحة الفراشات الملونة في ليل من ذابوا وجدا ومن عشقوا صبابة وهاموا عشقا فيمن أحبوا وعشقوا.. وملأوا أسماعنا وأوجاعنا وليلنا صبابا بسيرة أعظم العشاق شعرا وأدبا وقصصا وحكاوي علي لسان شعراء الربابة تحت اشجار النخيل وفي خيال المحبين وفي قصائد الشعراء وأساطير العاشقين في سمع الزمان..


شاعرنا هذا الذي كم تعذب.. وكم شفي.. وكم طرق الأبواب؟!.. ومن عرفته الموالد منشدا.. وهو من عرفته جلسات الحب والهمس والصمت الرهيب.. رفيقا وأنيسا ومتحدثا وشاعرا.. ومازالت أبيات قصائده تتغني بها بديع المطربات وعظام المطربين والمنشدين في كل حفل وكل جمع وكل مولد.. وكل عيد.. رضي عنه المولي ورضيت عنه الدولة وأنصفته بعد طول انتظار.. وأنعمت عليه في أواخر الأيام بوسام في صورة جائزة الدولة التشجيعية.. عظيم وجميل ورائع.. وإن تأخر كثيرا وطويلا..

علي أي حال.. لقد قالت الدولة أخيرا لمصطفي الضمراني أنت في القلب وفي العين وفي الوجدان.. وفي ضمير أمة عظيمة اسمها مصر التي قالت للدنيا قبل الزمان بزمان. استيقظي يا صبية.. فقد بدأ عصر التنوير..

وشاعرنا العامي يستحق حقا وصدقا ما فوق التكريم وما فوق الوسام.. أليس هو القائل قبل نحو 45 عاما يوم عودة الأرض والعرض في 1973 أغنيته الشهيرة:

ما تقولش ايه اديتنا مصر..

قول حندي ايه لمصر..

هذه الأبيات التي لم يتمالك قصاص مصر العظيم وأديبها الكبير يوسف السباعي صاحب ملحمة رد قلبي والسقا مات أعظم ما قدمه الأدب المصري في عنفوانه وأيام سطوته وصولجانه عندما سمع أبيات هذه الأغنية وهو ذاهب إلي مكتبه في الأهرام كرئيس للتحرير أيامها أن انتظر مصطفي الضمراني في بهو الأهرام حتي وصل وقال له كلماته الشهيرة: هذا أجمل قول وأجمل أبيات يقولها شاعر.. واحتضن مصطفي الضمراني عندما حضر وظل يردد مع كل الداخلين والخارجين ساعتها: ما تقولش ايه اديتنا مصر.. قول حندي ايه لمصر!

..............

.............

ولعل أجمل ما قاله شاعرنا الجميل الذي تذكرته الدولة أخيرا بوسام.. هو ما غنت له الرائعة أطال الله في عمرها الفنانة الرقيقة الجميلة دائما وأبدا شادية:

لما كنا صغيرين..

كان لنا مكان صغير..

دايما تقابلني فيه..

لما كنا صغيرين كان لنا حلم أخضر في قلوبنا عشنا بيه

واتغير الزمان.. واتغير المكان..

لكن يا مصر انتي عظيمة زي ما انتي.. وجميلة زي ما انتي..

الحب الباقي انتي.. والعمر الباقي انتي..

وإن خذلتني الأماني

أو ضاع حبي في ثواني

أرجع لك انتي تاني!

يا جنة المكان.. يا أقوي من الزمان

.............

..............

عمنا مصطفي الضمراني يتكلم:

أنا طول عمري أكتب غناوي وقصائد في حب مصر..

أسأله: زي ايه يا عمنا؟

قال: في عام 1975 بعد عودة قناة السويس غني لي عبد الحليم حافظ:

المركبة عدت..

واهي ماشية

والكل شايفها بتتعاجب.. والصحبة اهي زادت وبتغني..

كان الأمل مغلوب.. صبح غالب..

والموج رقص جنب السفينة

لما القناة رجعت لينا..

.................

.................

قال مصطفي الضمراني وهو يعاني من أمراض الدنيا كلها الآن: ولا أنسي أبدا أغنية غادة رجب: إحنا ولادك يا مصر..

نعم للي بيحبك يا مصر

ويعيش تحت العلم ويعمرك يا مصر

أسأل شاعرنا العامي الرقيق:

قوللي كده من قلبك ما هو بيت الشعر الذي مازال علي لسانك من كلماتك؟

نعم للي يحبك يا مصر

ويعيش تحت العلم ويعمرك يا مصر

الله يحافظ عليكي ونشوف صورته في عينيكي ويبوس كفوف ايديكي

في كل يوم يا مصر

ولا.. وألف لا..

بنقولها علي الملأ..

لا ؟ وألف لا..

أسأله: من غناها؟

قال: غنتها غادة رجب وهاني شاكر ولحنها صلاح الشرنوبي عام 1996

.........

........

قلت لعمنا وتاج راسنا في الحب والعشق والشعر الجميل: أنا شخصيا يا عزيزي.. مازلت أعتز وأحفظ عن ظهر قلب ما كتبته لوردة ولحنه كمال الطويل في رائعتك التي تقول كلماتها:

أصلك تنحب..

أهو كده بوجودك..

يبقي كده له طعم الحب..

نستني عذاب الشوق كله..

وشرحت القلب..

وهواك يا روحي..

عمره ماجه علي بال..

ولا مرة.. خطر في خيال:

ولا شفته اتقري في كتاب..

ولا حتي اتحكي في موال

أقاطعه بقولي: ولا حتي قاله شاعر ربابة تحت ظلال شجرة توت عتيقة علي شاطئ الترعة في بلدنا.. والساقية تدور وتنعي صوتا وتسقي زرعا وتحيي شعبا..

قال: يا عم ما انت شاعر جميل اهوه..

يكمل مصطفي الضمراني الكلام بآخر كلماتها: أصلك شيء نادر في الدنيا ولازم تتحب..

...................

..................



قلت لشاعرنا الرقيق: لكن الصحاب والأهل في الدوار والبلد والقرية والكفر.. وأطفال وصبية وبنات بلدنا واللاتي «علي وش جواز» مازالوا ومازلن حتي كتابة هذه السطور يذكرن لك كلماتك وأشعارك الجميلة التي كتبتها في أغنيتك الشعبية الرائعة والتي غناها مطرب الجبل في الشام فهد بلان.. والتي تقول كلماتها:

ركبنا علي الحصان..

نتفسح سوا..

طار بينا الحنان..

ورقص الحصان..

ورقصنا احنا كمان

وغنينا لحبنا..

من فوق ظهر الحصان.. رقصنا لحبنا

أسأله: الست أنت من كتب كلمات هذه الأغنية الشعبية الرائعة التي تغنت بها مصر كلها أيامها؟

قال: نعم.. وقد لحنها الملحن خالد الأمير وكان ذلك في عام 1995..

................

.................

أسأل شاعرنا الشعبي الجميل: وكم كان أجرك يا تري أيامها؟

قال: عن أغنية ركبنا علي الحصان التي غناها فهد بلان 100 جنيه!

أسأله: وعن لو القلوب ارتاحوا؟

قال: شادية حصلت علي 300 جنيها وخالد الأمير الملحن 150 جنيها

أسأله: طيب وانت؟

قال: 100 جنيه عن أغنية لو القلوب يا حبيبي ارتاحوا! وكان ذلك عام 1995.. يعني من 32 سنة بالتمام والكمال...

.............

..............

أميل علي كتف شاعرنا العامي الجميل وأهمس في أذنه: طيب ما هي أجمل كلمة حب غناها لك المطربون والمطربات؟

قال: أغنية أصلك تتحب ؟ كده بوجودك يبقي كده له طعم الحب!

هواك عمره ما جه علي بال ولا شفته اتقري في كتاب ولا حتي اتحكي في موال. أصلك شيء نادر في الدنيا.. ولازم تتحب!

وعلي فكرة هذه الأغنية كان المفروض أن يغنيها عبد الحليم حافظ ولكنه رحل فجأة عن عالمنا وحزن عليه كمال الطويل كثيرا كثيرا كثيرا.. ثم أهدي هذه الأغنية لوردة!

.................

.................

أمامي يجلس صامتاً لكن متحفزا هذا الربان التائه في بحور الأغانى، والأناشيد حبا وحماسا، واحساسا عظيما فوق أحاسيس البشر.. فالشاعر أي شاعر ـ أحاسيسه ومشاعره ساعة نزول وحي الشعر أو النثر عليه يصبح في حالة نفسية يطلق عليها العلماء اسم : ساعة الغوص في أعماق النفس البشرية.. وما إدراك ما النفس البشرية.. لا أحد يعرف اعماقها ولا أحد يفهمها، او حتي يفسر لنا مايجري داخلها..

قلت له: ياعزيزي هل الاجر الذي يتناوله الشاعر عن أغنية او قصيدة سهر فيها الليالي.. هل يساوي حقا ذلك الجهد الذي بذلته!.. ذلك الضني الذي عشته والسهر الذي عايشته؟

قال: كلا والف كلا لقد اخذت اجر أغنية المركبة عدت التي غناها عبدالحليم حافظ ولحنها الموسيقار الاجيال محمد عبدالوهاب 700 جنيه سنة 1973 لم ينسوا أن يخصموا منها خمسين جنيها ضريبة!

وسألته: ماذا تقول كلمات هذه الأغنية العظيمة؟

قال: هي تقول: من فوق ضفاف النيل بابعت سلام عربي..

من شعب حر أصيل.. وطنه.. الكبير عربي.

مع أحلي قسمة ليل وقمر جميل عربي..

من شعب حر اصيل وطنه الكبير.. عربي جمع ما بينا الحب. مهما بنتغرب.

تحلي محبة شعوبنا ويلم شمل قلوبنا

أساله: من غناها؟

قال: محمد رشدي + محمد الحلو + نادية مصطفي

اسأله: وايه كمان ياعم مصطفي؟

قال: الله علينا لما نتجمع

الكل لاجل الأمة.. بيجاهد..

وكلمتنا تبقي عايشه.. وتسمع من بعيد الخطوة.. واحدة..

والهدف واحد!

>>>>>



اسأله: ورياض السنباطي الم يلحن لك أغان أخري؟

قال: انا .. لقد تذكرت الآن.. لقد لحن لي السنباطي أول أغنية غنتها فايدة كامل سنة 1969 ويقول مطلعها: اتصالحنا انا وحبيبي..

قلت له: والله انا ماسمعتش عنها أبدا..

قال: اهي موجودة في محفوظات الاذاعة..

قلت لعمنا وشاعرنا الشعبي الجميل الذي تذكرته مصر بعد طول نسيان استمر نحو نصف قرن بحاله يجائزة الدولة التشجيعية وكان يستحق التقديرية كما قال كل الشعراء والزجالون وكتاب الاغاني.. قلت له: أن اعرف ان رياض السنباطي لحن أوبريتا كاملا لفيروز.. ولكننا لم نسمع عنه حتي الآن اين ذهب؟

.......

.........

قال: انا مثلك لا أدري وعن اسأل عنه.. لعلنا نعثر علي كنز ضائع من كنوز السنباطي الخالدة.

قلت لشاعرنا الجميل: ولكن اسمح لي أن أقول لك عن وجهة نظري إن أجمل ما كتبته هو أصلك شيء نادر في الدنيا ولازم تتحب.. موش قصدي أنت بالطبع.. ما تفهمنتيش غلط!!{



>> تذكرته الدولة اخيرا ووضعت علي صدره وساما فى صورة جائزه الدوله التشجيعية.. انه شاعر العامية مصطفى الضمرانى >>
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف