بوابة الشروق
فهمى هويدى
يوم انتصر الخوف
الترجمة السياسية لعبارة «حضر الأمن وغاب المتظاهرون»، هى أن السلطة نجحت وهزم المجتمع. العبارة التى أتحدث عنها كانت العنوان الرئيسى للصفحة الأولى من عدد جريدة «الشروق» الذى صدر أمس (السبت ١٧ /٦). والموضوع يتعلق بفكرة التظاهر الاحتجاجى الرافض لتمرير اتفاقية تيران وصنافير، الذى تم يوم الأربعاء السابق (١٤/ ٦). وكان بعض النشطاء قد دعوا إلى تلك التظاهرة للإعلان عن موقفهم إزاء ما جرى.
فى مواجهة هذه الدعوة، تم تكثيف الوجود الأمنى فى شوارع القاهرة والمدن الرئيسية، وحظرت المواقع الإلكترونية (وصل عددها إلى أكثر من ٧٠ موقعا أمس). وتمت مداهمة بيوت النشطاء وألقى القبض على عشرات منهم. أما الذين جازفوا ونزلوا إلى الشوارع، وهم قلة، فقد قدموا إلى النيابة وجرى التحقيق معهم بتهم عديدة، بينها التظاهر بغير تصريح والإساءة للنظام، وتكدير السلم العام وتعطيل عجلة التنمية... إلخ.

الصحف القومية والمواقع الأمنية تحدثت أمس عن «فشل المظاهرات»، التى دعت إليها «بعض التنظيمات السياسية وجماعة الإخوان الإرهابية».. وتحدثت عن أن الجماهير خيبت آمالهم بعدم الاستجابة لتلك الدعوات» ــ (الأهرام).
المعلومات صحيحة لكن التوصيف مغلوط. ذلك أن الذين خرجوا إلى التظاهرات كانوا من عموم الوطنيين المصريين كما كانت أعدادهم قليلة نسبيا، وذلك أمر مفهوم أولا لأن حملة الترهيب والترويع أوصلت الرسالة إلى الجميع حتى أصبح الكل مقتنعا بأن التظاهر مغامرة غير مأمونة العاقبة، ولها تكلفتها الباهظة التى يمكن أن تغيب المتظاهر وراء الشمس لأشهر أو سنوات عدة. فضلا عن أن من شأنها إدراجه ضمن القوائم السوداء، وقوائم الإرهابيين، وهو ما يعنى مداهمة بيته واعتقاله فى كل أزمة، بما يفتح الباب لتدمير حياته هو وأسرته. ناهيك عن أن السياسات المتبعة خلال السنوات الثلاث الماضية أدت إلى تفريغ الساحة من أية قوة سياسية لها وزن فى البلد، بمثل ما أدت إلى تقزيم وتكبيل مكونات المجتمع المدنى، من أحزاب ناشئة إلى نقابات أو منظمات للمجتمع المدنى.

لا يخلو من دلالة فى هذا السياق أن عدد الذين عارضوا الاتفاقية فى جلسة مجلس النواب وصل إلى 101 شخص، فى حين أن الذى خاض معركته إلى النهاية، وقرر النجاة والاستقالة من المجلس، احتجاجا على تمريرها شخص واحد هو النائب الشجاع محمد أحمد فؤاد (دائرة العمرانية ــ حزب الوفد).

إذا وضعت هذه المعلومات بدلالاتها فى جانب، وقارنتها بنتائج الاستطلاع الذى بين أن ١١٪ فقط من المصريين يؤيدون سعودية الجزيرتين، وأضفت إلى ذلك سيل التعليقات الحادة والجارحة التى تحفل بها يوميا مواقع التواصل الاجتماعى، منذ عرض الموضوع على البرلمان، فلابد أن تثير انتباهك المفارقة. ذلك أن البون شاسع للغاية بين أعداد الرافضين والغاضبين، وبين أعداد المتظاهرين والمستقيلين. ولا تعليل لذلك سوى أن الخوف يفسر المفارقة. ذلك أن التكلفة الباهظة للاحتجاج دفعت كثيرين إلى الإحجام عن التظاهر كما جعلت الرافضين من أعضاء البرلمان يترددون فى تقديم استقالاتهم منه. وهو تحليل إذا صح فإنه يصبح بمثابة إدانة للسلطة وليس إنجازا أو انتصارا لها. ذلك أن السلطة حين تقمع شعبها وتشيع فى أوساطه الترويع والخوف فإنها قد تعزز لسلطانها وتشدد من قبضتها لكنها تفقد شرعيتها. وتفقد معها الثقة والاعتبار. إن القهر لا يضفى شرعية على أى سلطة كانت، ووحده رضى الناس وثقتهم فى النظام هو الذى يوفر تلك الشرعية.
إن ما جرى يوم الجمعة الماضى لم يكن إنجازا للشرطة ولا للسلطة لكنه كان إعلانا عن انتصار الخوف.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف