المصرى اليوم
محمد حبيب
جمال الحياة (١)
(١) كما أن الله تعالى خلق الجمال، فقد خلق القبح أيضا.. وأعطى للإنسان الحرية الكاملة، فى أن يختار بينهما.. وقد حدد الله تعالى موقفه، فقد جاء فى الحديث: «إن الله جميل يحب الجمال».. وكما هو معلوم ليس كلا من الجمال أو القبح وقفا على الجانب المادى فقط، لكنه مرتبط أيضا بالجانب الروحى.. فالجمال غير مقتصر على المناظر البديعة والخلابة التى يعج بها هذا الكون الفسيح، لكنه حاضر أيضا وبقوة فى منظومة القيم الأخلاقية والإيمانية والإنسانية الرفيعة التى جاءت بها وأكدت عليها الأديان السماوية؛ كالصدق، والوفاء، والشهامة، والمروءة، والرحمة، والسماحة، واللين، والصفح، والعفو، والحكمة، والكرم، والتعاون، والتكافل، وإقامة العدل..إلخ. والقبح كذلك، ليس محددا فقط فى المناظر السيئة أو تلك التى تعافها أو تأنف منها النفس السوية، لكنه أيضا مشاهد فى السلوكيات الهابطة، والأخلاق الرديئة، والتصرفات المنكرة والشاذة، التى يحض عليها ويزينها شياطين الإنس والجن؛ كالكذب، والغش، والخداع، والجبن، والدناءة، والغيبة، والنميمة، واغتصاب الحقوق، والعنف، والخسة، والخيانة.. إلخ.. وقد وجدنا فى حياتنا من يعشق الجمال ويتغنى به، ووجدنا أيضا من يعشق القبح ويهواه، ويصر عليه، بل يدعو إليه..الصنف الأول يرفل فى سعادة نفسية غامرة، أما الثانى فيحيط به- برغم المظاهر الخادعة- شقاء وحيرة واضطراب من كل جانب.

(٢) ويبدو جمال الحياة فى قدرة الإنسان على الحب الصادق، المنزه عن الغرض والهوى؛ أى حب كل ما هو جميل وجليل ونبيل.. وحين يعجز عن ذلك، تصبح حياته مقفرة ومجدبة وقاحلة، وفاقدة للمعنى والجوهر والمضمون.. حقا، هناك فارق كبير بين الحدائق الغناء، بما فيها من جداول وأشجار وورود ورياحين وبلابل تشدو بأعذب الألحان، وصحراء خالية من أى حياة، فلا ماء ولا شجر، بل صخور ورمال وسكون مطبق، وربما بعض الزواحف كالحيات والعقارب والسحالى.. إلخ. وإذا كان الله تعالى قد خلق الإنسان فى كبد، فلابد له ان يكون محبا للجمال، خاصة فى جانبه الروحى، حتى يكون قادرا على مواجهة المصاعب والشدائد، التى لا تخلو منها الحياة.. هذا الحب هو المناعة، وهو خط الدفاع الأول الذى يحمى الإنسان من القلق والتوتر والاضطراب والتدهور والانهيار.. بهذا الحب يستطيع أن يصمد ويثبت ويقاوم، بل ويتجاوز آلامه وجراحاته وعذاباته.. وإذا وجد الإنسان من يشاركه همه وحزنه، فقد هان الهم وتراجع الحزن وتبدد الألم.

(٣) وقد زين الله تعالى حب الجمال إلى الإنسان وحفزه على الاغتراف منه، كما أنه كره إليه قيم القبح ممثلا فى الحقد والكراهية، وأمره أن يتجنبهما وينأى بنفسه عنهما.. وعلى الإنسان الواعى والحصيف أن يستعين ببرد الحب النبيل وصدق المشاعر على إطفاء نار الحقد والكراهية.. ذلك لأن ناريهما تدمران صاحبهما قبل أن تدمر الآخرين، حيث تجلب للإنسان التعاسة والشقاء، والعيش فى ألم مستمر ومعاناة دائمة.. لذا، على الإنسان الذى لم يعش حب الجمال، أو لم تتح له فرصة تذوقه، أن يبحث عنه، وأن يلح فى طلبه، وهو لابد واصل إليه.. أن حب الجمال من أقوى الدوافع على حدوث التوافق المجتمعى (الخاص والعام)، وتحقيق الإنجازات (الصغرى والكبرى)، فضلا عن الإحساس بالأمن والأمان والطمأنينة والسكينة والاستقرار.. هو يشحذ همة الإنسان، ويقوى من عزيمته، ثم هو قرين التألق والابتكار والإبداع. وعليه- إذن- أن يتعلم كيف يعيش جمال الحياة.

(٤) والحقيقة التى لا مراء فيها، أن حب الجمال عطاء وبذل وتضحية وفداء، وهذه المعانى تمثل روافده التى تغذيه وتنميه وترقى به إلى أعلى الدرجات.. مع ذلك، لابد أن يفطن المحبون إلى ضرورة عدم التراخى فى إزالة العوائق التى يمكن أن تعترض طريقه، إذ إن هناك الكثير من الحشائش الضارة التى عادة ما تنبت إلى جانبه؛ كالأنانية والشك والقلق والخوف.. لذا، مطلوب من المحبين أن يسعوا بشكل دائم إلى التواصل، حيث توافر الفرص لإزالة أى سوء فهم يحدث بينهم، فضلا عن تجديد الثقة وتعزيز أواصر القرب.. مطلوب أيضا أن يتوافر لديهم سعة الأفق، واعتبار أننا بشر نصيب أحيانا ونخطئ أحيانا أخرى، وكما أن لدينا نقاط قوة لدينا نقاط ضعف أيضا، ومن ثم لابد من إعطاء مساحة للتغافر والصفح والتسامح.. مطلوب منهم كذلك أن يعوا أن هناك بعض الحاقدين والكارهين الذين يسعون لإفساد هذا الحب وتخريبه وتدميره بكل الوسائل والأساليب، وعلى المحبين- إذن- أن يكونوا على يقظة وانتباه لهذه المحاولات.

(٥) ويفرض علينا حبنا للجمال أن نبذل أقصى ما نستطيع فى الدفاع عنه والمحافظة عليه ضد كل قبيح، مادة أو معنى.. فحبنا لأرضنا وعرضنا ومالنا وقيمنا التى نعيش بها ولها، يفرض علينا ألا نتوانى لحظة فى بذل النفس والنفيس لصد أى عدوان عليها.. وعلى كل إنسان أو جهة أو مؤسسة دورها ومسؤوليتها فى ذلك.. فرئيس الدولة، والسلطات- التنفيذية والتشريعية والقضائية - عليها دورها؛ كل فى مجاله وميدانه.. ومؤسسات المجتمع المدنى؛ من أحزاب، ونقابات، وجمعيات أهلية، عليها هى الأخرى واجباتها.. أنه لا قيمة ولا معنى للحياة أن يعيش الإنسان محروما من الحرية، أو أسيرا لعدو محتل، أو مستلب العقل من قبل غاش مخادع، أو خاضعا لطاغية مستبد، أو مقهورا تحت وطأة حاجة أساسية، أو فاقدا لحقه الإنسانى فى حياة كريمة، وهكذا.. (وللحديث بقية إن شاء الله).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف