الأهرام
مصطفى السعيد
توابع زلزال قطر
لماذا لم يسقط حاكم قطر فور الهزة العنيفة التى تلقاها بمقاطعة مصر والسعودية والإمارات والبحرين؟ وهل يحتمل خطوات التصعيد المقبلة؟ ولماذا لم يذعن حتى الآن لمطالب الدول الأربع، ويتبرأ من علاقته بالإرهاب، ويطرد الشخصيات التى وضعتها تلك الدول على قائمة الإرهاب، وينقذ عرشه من حصار وهزات قادمة قد تكون أعتي؟

راهنت قطر على عامل الوقت، واستجابت لمفاوضات أرادت أن تطول مدتها، حتى تتمكن من امتصاص الصدمة الأولي، وتحاول شراء حلفاء أو استغلال الثغرات والخلافات التى تعصف بالمنطقة، وربما تمكن من النجاة دون أن يدفع الثمن، ويبدو أن حاكم قطر مازال يرى أن الثمن باهظ، رغم أن حلم التوسع عبر جماعة الإخوان والتحالف مع تركيا قد تبدد، لكنه مازال يتعلق بوهم أن يتجدد الأمل، مثله مثل حليفه أردوغان وجماعة الإخوان، وها هم قد تجمعوا داخل أزمة قد تعصف بهم جميعا.

أهم ثغرة منحت حاكم قطر بعض الوقت هو غياب الإجماع الخليجي، فلم تشارك فى المقاطعة كل من سلطنة عمان والكويت، وقد فضلتا التوصل إلى حل هادئ عن طريق التفاوض، لإقناع حاكم قطر بالتخلى عن سياساته المدمرة، والتى تسببت فى إراقة الكثير من الدماء ونشرت الخراب فى كل مكان، لكن تعريف الإرهاب مازال محل خلاف دولي، تتلاعب به المصالح الخاصة بكل دولة، حتى إن قطر ادعت أنها فى صدارة دول العالم المكافحة للإرهاب !!.

التجاوب العربى مع قرار مقاطعة قطر جاء ضعيفا، ولم تنضم إليه سوى المغرب واليمن وليبيا وموريتانيا وجزر القمر، بينما اكتفت الأردن بطرد السفير، ومازالت باقى الدول تفضل المزيد من التفاوض، حتى السودان التى تربطها علاقات قوية مع السعودية والإمارات والبحرين، وتشارك فى قوات التحالف العربى فى اليمن لم تتخذ أى إجراء ضد قطر، ودعت إلى الحلول الودية.

أما إيران فقد وجدت الفرصة سانحة لتحقيق المزيد من المكاسب، ورغم العداء مع قطر لدورها فى دعم الجماعات الإرهابية ضد أهم حليفين لها، وهما سوريا والعراق، فقد فتحت مجالها الجوى للطائرات القطرية، وخصصت ثلاثة موانئ لتزويدها بالمواد الغذائية، ولم يكن هذا الموقف الإيرانى لمجرد الكيد ضد السعودية والإمارات والبحرين، وإنما محاولة لجذب قطر بعيدا عن دول مجلس التعاون، وإحداث شرخ فى داخله، وربما كان للموقف الإيرانى تأثير على عدم التصعيد ضد قطر، حتى لا ترتمى فى الحضن الإيرانى الجاهز لتلقف جائزة جديدة.

تركيا كانت الدولة الوحيدة التى أعلنت وقوفها إلى جانب قطر، بل اتخذ البرلمان التركى قرارا يسمح بنشر قوات تركية فى قطر، والتى يجرى بناء قاعدة عسكرية تركية فيها، هى الوحيدة لتركيا خارج أراضيها، بعد التوقيع على اتفاقية بنائها منذ عامين، تجسيدا للتحالف بين البلدين، وبذلك سيخسر أردوغان علاقته المتميزة بكل من السعودية والإمارات والبحرين، وهى خسارة كبيرة على المستويات السياسية والاقتصادية، لكن أردوغان مازال يشاطر حاكم قطر أحلامه، وكلاهما يحتضن جماعة الإخوان لاستخدامها كمخلب قط فى ترويع دول المنطقة، والتعاون بينهما مازال قائما فى ليبيا، التى مازالت الجماعات الإرهابية تسيطر على أجزاء منها.

مصر هى الرابح الأكبر من زلزال قطر، فلأول مرة يجتمع الإخوان وتركيا مع قطر فى قارب واحد تتقاذفه الأمواج، وهو ما يمنحها فرصة مواتية لتوجيه المزيد من الضربات للجماعات الإرهابية فى داخل مصر وليبيا، لكن قائمة الرابحين كبيرة وتضم سوريا وإيران والعراق وروسيا، وجميعهم يستفيد من أى شرخ فى التحالف الدولى بقيادة الولايات المتجدة، وإضعاف الجماعات الإرهابية فى سوريا، والتى تقاتل بعضها بعضا فى إدلب وغوطة دمشق الشرقية، أما قائمة الخاسرين فتتصدرها تركيا وجماعة الإخوان، لكن دولا أخرى تضررت من الزلزال، بينها دول الخليج، التى اتضح أن بينها بعض الخلافات فى الرؤي.

التدخل العسكرى يبدو مستبعدا، وربما تخشى بعض دول الخليج من أن تكون سابقة للتدخل من الخارج، وكذلك لا يوجد دعم عربى أو دولى يكفى لمثل هذا الإجراء، خصوصا فى ظل الكثير من الأزمات التى تعصف بالمنطقة، وعجز التدخل العسكرى عن حل المشكلات، بل فاقمتها، لكن احتمال حدوث انقلاب من الداخل ليس مستبعدا تماما، خصوصا فى ظل انقسام الأسرة الحاكمة، ووجود جزء كبير منها فى السعودية، وأدانت سلوك حاكم قطر، والخوف من الانقلاب هو التفسير الوحيد لرفض حاكم قطر تلبية دعوة الرئيس الأمريكى لزيارة واشنطن لبحث حل للأزمة، لأن الانقلابات تجرى عادة فى ظل غياب الحاكم وسفره إلى الخارج.

فى كل الأحوال لن تعود قطر كما كانت قبل المقاطعة، وستضطر إلى الانكفاء والكف عن مواصلة دعم الجماعات الإرهابية، حتى لو استمر حاكم قطر فى موقعه، فالدرس جاء قاسيا، وإن كانت لم تسقطه فإنه أضعفته وجعلت مصيره على المحك، لكن زلزال قطر كشف الكثير من هشاشة الوضع العربى والدولي، وأن الانقسامات وغياب المعايير ستظل أكبر الثغرات فى وجود إرادة دولية جادة وقادرة على اجتثاث الإرهاب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف