الأهرام
محمد ابراهيم الدسوقى
جثة تبحث عن قبر
«رفض مجمع الكنائس ومتعهدو الجنازات والمساجد فى مدينة مانشستر البريطانية التعامل مع جثة سلمان العبيدى الليبى الاصل البريطانى الجنسية، منفذ هجوم مانشستر الموجودة حاليا فى مشرحة خارج المدينة، وتبذل سلطات المدينة كل ما فى وسعها لمنع حرق الجثة أو دفنها بأى شكل من الاشكال فى منطقة مانشستر الكبرى». هذا هو نص الخبر الذى نشرته وسائل الإعلام المحلية فى مانشستر عن العبيدى.

انتهى الخبر ويتبقى الإمعان فى مغزاه، الذى ينحصر فى أن البريطانيين يرفضون رفضا قاطعا أن يكون المثوى الأخير للإرهابى إلى جوار ضحاياه، حتى لو كان يفصل بينه وبينهم مئات وآلاف الامتار، فذاك ظلم بين لا يقبله العقل ولا المنطق، فكيف يتسنى دفن شخص قتل ٢٢ نفسا فى المكان نفسه، فالإرهابى غير جدير بالابقاء على أى أثر له، بما فى ذلك أن يكون له قبر معلوم يقصده من يقصده من المتعاطفين والمؤمنين بأفكاره الشاذة المتطرفة التى تبيح استهداف المسالمين الآمنين بصرف النظر عن دينهم ومعتقداتهم .

سيقول البعض إن اكرام الميت دفنه، وإن حسابه متروك بيد خالقه، وإن إخفاء جثته فى مكان مجهول فيه قسوة ومزايدة غير مستحبة، وردى عليهم أن هذا الإجراء يندرج ضمن مقاومة الإرهاب، فمكافحة هذا الوباء الخبيث ليس فقط بدحض ما يبثونه من مغالطات وتأويلات ضالة مضللة، واعتدال ميزان الخطاب الدينى، وتحديث المناهج الدراسية وعصرنتها، وإنما أيضا بمحو كل أثر له، مهما يكن صغيرا فى نظرنا، ودعنى أسالك ، ولا تكذب على نفسك وكن صريحا وصادقا معها: لو أنك أمسكت الارهابى الذى دهس العشرات فى مدينة نيس الفرنسية قبل أشهر، أو الذى نفذ عملية مشابهة فى لندن أمس هل ستعامله بلطف ولين أم ستطبق على رقبته وربما تنتزع قلبه من بين ضلوعه، وإن قتل وهو يتم جريمته، فلن تدعه يدفن على مقربة منك ومن أهلك .

البريطانيون واتتهم الشجاعة ولم يتحرجوا من الإفصاح عن موقفهم الرافض والمناهض لجريمة العبيدى وغيره من الارهابيين، فلماذا لا نحتذى بهم، ونحول بين الإرهابى وبين إحساسه بانتصاره المزيف على أناس لا يشاركونه رؤيته واعتقاداته، مما أراه أننا نتخوف من اتخاذ خطوة مماثلة لاعتبار دينى فيه ما فيه من التسامح المعهود فى الشخصية المصرية المتدينة بطبيعتها، هو أنه مات ولا يصح أن ننتقم منه، برغم كونه وغدا يستحق العقاب الأليم، وللتمييز وبيان القصد فإن الدعوة موجهة لدفنه فى موقع مجهول، ولنتذكر أن الارهابى عادل حبارة دفن فى قبر مجاور لقبر شهيد سقط فى ساحة الواجب بسيناء خلال هجوم جبان شنه هو وزبانيته، فكيف يستقيم هذا الحال، وهل يستوى القاتل والمقتول، وبعدها يأتى من يتاجر ويتغنى بمآثر الارهابى المدفون بين الأبرياء والصالحين من المواطنين.

هنا لابد من تدخل الأزهر ودار الافتاء لاعطائنا رأيا جليا لا لبس فيه، حول دفن الارهابيين فى بقعة نائية ولا يعلن عنها ولو لأقاربه كجزء من العقاب الرادع لكل من تسول له نفسه التعدى على بنى وطنه وحرماتهم. وأطالب بأن يشمل ذلك المتهمين بارتكاب جرائم اغتصاب، خصوصا مع الأطفال، وهى الظاهرة البشعة التى تابعنا بعض فصولها المؤلمة فى الآونة الأخيرة، فلا اعتبار ولا تقدير للذين يتجردون من إنسانيتهم وآدميتهم، كالذى اغتصب رضيعة لا تملك من أمرها شيئا، وكالذين القوا بطفل من الدور الثالث وتردد أنه تعرض للاغتصاب، هؤلاء لا رحمة بهم ولا عاصم لهم.

وقبل أن ننساق خلف الجانب العاطفى ونظهر دهشتنا وامتعاضنا من الموضوع لنفكر قليلا فى أن مثل هذا التصرف سيكون رادعا للكثيرين الذين يفكرون فى الوقوع فى مصائد المتطرفين وجماعات الإرهاب، وسيجعل الأسر تلتفت إلى أبنائها وتتابعهم بصورة دقيقة وتقومهم باستمرار، لأنه حينما ينحرفون إلى سبيل التطرف والارهاب يكونون عبئا ومصدر تعاسة وألم لذويهم والقريبين منهم، لذا أدعو مؤسساتنا الدينية والمدنية لدراسة مسألة دفن الارهابيين ومغتصبى الاطفال فى أماكن مجهولة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف