الوطن
ريهام فؤاد الحداد
رسالات الله من كتاب الله
القرآن الكريم، آيات الذكر الحكيم، المعجزة العظمى والأبدية، يفسَّر منذ آلاف السنين، مع ذلك تبقى أسراره ومعجزاته ومعانيه قابلة للاجتهاد والبحث إلى يوم البعث. يحمل العبرة والرسائل للعامة والخاصة من عُبَّاد الله.

أصحاب الكهف

«أصحاب الكهف» هم فتية آمنوا بربهم فزادهم الله هدى وربط على قلوبهم لحفاظهم على إيمانهم بالرغم من أنهم كانوا قليلى العدد، ولا طاقة لهم بقومهم وتعدادهم وعتادهم، فتية اضطروا للفرار بدينهم والنجاة بإيمانهم، حتى لا يُفتنوا، أو يُعذَّبوا ويُنكَّل بهم أو يُرغَموا على الإشراك بالله.

احتموا أثناء هربهم من بطش قومهم بكهف يستريحون به ويحتمون، داعين الله أن يؤتيهم من عنده رحمة ويرشدهم إلى ما يفعلون، انطلقوا إلى كهفهم بصحبة كلبهم الحارس الوفى، الذى كان باسطاً ذراعيه بالوصيد.

توكلوا على الله وأسلموا له أمرهم من قبل ومن بعد، فكان تدبير الله القدير بأن أحال بين آذانهم وبين حاسة السمع، ليذهبوا فى سُبات عميق مدة ثلاثمائة سنة وتسع سنين، يتقلبون كل حين بطريقة تجعل من يراهم يعتقد أنهم على قيد الحياة بل ويفزع منهم! ويولى منهم فراراً ويمتلئ رعباً. حتى الشمس كانت تأتيهم زائرة، تطل على كهفهم فى الشروق والغروب، فى إعلان تام أن الحياة تدب فى أجسادهم على مرّ السنين الطوال.

تمر السنوات بالمئات ولا تتحلل الأجساد ولا يفنون، بل من سباتهم ينهضون، وبأمر ربهم من النوم يقومون، ليتساءلوا بينهم كم لبثوا فى الكهف، (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً). نهضوا جوعى، مترقبين للأحداث، خائفين من الملاحقة، لكن مطمئنين بالإيمان.

بعثوا أحدهم بنقودهم التى بجيوبهم (لا يعلمون ما مرّ من سنين) ليتخير لهم طعاماً زكياً من السوق، ويستطلع أخبار قومهم، محذرين إياه من أن يراه أحد منهم فيرجموهم أو يعيدوهم إلى الكفر، وحينها لا فلاح ولا نجاة! هؤلاء الفتية كانوا أكيدين أنه لا فلاح مع الكفر ولا نجاة من غضب الله، إيمانهم ويقينهم واستسلامهم لله درس عظيم لنا جميعاً.

بالفعل ذهب أحدهم إلى السوق بنقوده القديمة وملابسه القديمة ولهجته القديمة، فأصبح واضحاً له ولأهل المدينة عدد ما مرّ من سنين، خاصة أنهم قد تحولوا جميعاً إلى الإيمان وصار لهم ملك عادل مؤمن موحد بالله، عاد صديقهم إلى الكهف ليبلغ رفاقه بشأن ما حلّ بمدينتهم، فازدادوا إيماناً وثباتاً ويقيناً بقدرة الله وبعطفه على أوليائه، كان درس الله لأصحاب الكهف أن الله يهدى من يشاء وقت أن يشاء، وأنه وحده الهادى لعباده ومقلّب الأيام والأحداث، اطمأنوا لقدَر الله، وذهبوا إلى سبات عميق أبدى هذه المرة يقومون منه يوم البعث الأكبر.

أما درس الله لأهل المدينة بعد علمهم بمكان أهل الكهف وبقصتهم ولنا أيضاً من بعدهم: (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً)، بأن تيقنوا بأن وعد الله للمؤمنين حق، وأن البعث بعد الموت والجزاء حق، وأن قدرة الله قد وسعت كل شىء.

تناقل الناس قصة أصحاب الكهف واختلفوا فى رواية تفاصيلها (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَداً)، ليكون درس الله لنا، بعدم الخوض فى تفاصيل لا يملك يقينها إلا الله، كان بمقدوره سبحانه الجزم بالعدد، لكنها رسالة مهمة للرسول الكريم ولنا من بعده بالترفع عن خلافات غير جوهرية والأمر بتجاوز نقاش تفاصيل لا تقدم ولا تؤخر وعدم السماح للآخر بجرّك إلى حوار غير مُجدٍ أو نافع، فالأساس بالأمر هو القصة العظمى والمعجزة الكبيرة ببعث فتية مؤمنين بعد مئات السنين وليس المهم هو عددهم، حتى فترة مكوثهم هو وحده أعلم بها (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِىٍّ وَلا يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِ أَحَداً).

وتظل عبَر الذكر الحكيم ودروسه وأسرار مفرداته وتفسيراته باقية لا يجزم بحقيقتها إلا الله، نقرأ للمفسرين والعلماء ويبقى المعنى الأكيد واليقين الفريد بيد الله وحده سبحانه عما يصفون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف