المصرى اليوم
نادين عبد الله
تفكيك بعض أساطير الإرهاب
أحاديث كثيرة مغلوطة تنتشر بشأن الإرهاب فى مصر فتتحول إلى أساطير٬ بعضها تشكل لأنه يتمنى تخفيف وطأة الإرهاب على نفوسنا٬ ومنها من يسعى لتجميل الواقع المؤلم٬ بل منها من يقدم تحليلات خاطئة فلا يساعدنا على تخطى مسلسل الإرهاب المستمر٬ ومن ثم فوجب علينا مناقشة بعض الأقاويل الشائعة فى هذا الصدد.

هل نتحدث عن إرهاب النص؟ أى هل يتعلق الإرهاب الراهن بنصوص دينية أو بتعاليم دينية متشددة تحث على العنف وتشجع عليه؟ بالتأكيد٬ هذا عامل لا يمكن تناسيه إلا أن التركيز المبالغ عليه يعنى التصميم على تجاهل العوامل الأخرى التى تشكل هذا الإرهاب الجديد٬ بما يدفع إلى الهروب من مواجهتها. فبعكس إرهاب التسعينات الذى صنع فى مصر وتحرك فى إطار انتشار تفسيرات متشددة وجدت بيئة اجتماعية واقتصادية حاضنة لها٬ وتعاملت مع الأقباط مثلاً من منظور دينى متشدد٬ نتعامل اليوم مع إرهاب متعولم يصنع بالأساس فى الخارج٬ لكنه يتحرك فى مصر ليس فقط بسبب وجود بيئة اقتصادية حاضنة لكن أيضا لوجود بيئة سياسية محتقنة حاضنة. ومن ثم فهذا الإرهاب يتقدم بخطاب سياسى محترف يستقطب من خلاله الشباب على أرضية معارضة للدولة المصرية٬ وعلى أساس التعامل مع الأقباط ليس فقط من منظور دينى لكن أيضًا من منظور سياسى باعتبارهم فئة مؤيدة للترتيبات السياسية الحالية.

هل يعانى كل المصريين من الإرهاب بنفس الدرجة؟ نغمة تنتشر لتؤكد أن الجميع يعانى من الإرهاب فى مصر٬ فهو لا يستهدف فصيلا بعينه أو أصحاب دين معين بل الجميع. ربما يحاول أصحاب هذه المقولة الترويح عن الأقباط٬ جائز٬ لكن الحقيقة هى أن التشخيص الخاطئ للواقع لا يساعد على مواجهته. فبمتابعة الأحداث الإرهابية الأخيرة يتضح للعيان أن هناك استهدافا على الهوية أوضحته شرائط وتصريحات داعش دون مواربة. صحيح أن الإرهاب لا دين له٬ لكنه اليوم يستهدف فئة بعينها فى مصر وفقًا لرؤى مريضة أسلفنا ذكرها.

هل يعانى العالم كله من الإرهاب بنفس الدرجة؟ كثيرًا ما يحدثنا البعض مؤكدًا أن ظاهرة الإرهاب هى ظاهرة عالمية٬ فالإرهاب يضرب كل بلاد العالم ابتدءً بأوروبا وانتهاءً بالولايات المتحدة. نوافق على هذا الطرح فنؤيده جزئيًا٬ لكن يبقى سؤال لا إجابة له: لماذا تتكرر الأحداث الإرهابية فى مصر تباعًا٬ ولماذا بتنا نتوقع تكرارها وليس انتهاءها؟ لماذا تهدد داعش بالذبح والترويع فى مصر وفى خلال أيام أو شهور قصيرة تنفذ بلا ردع؟ بالقطع٬ يشير تكرار الأمر على فترات زمنية غير متباعدة إلى وجود خلل ما.

هل ننتصر على الإرهاب بالأمن وحده؟ سؤال مهم يلحق به سؤال أهم لم تجب عنه الدولة حتى الآن، وهو المتعلق بكيفية التعامل مع الحاضنة الاجتماعية والسياسية للتنظيمات المتطرفة٬ تلك التى تتضخم على أطراف الدولة المصرية على الرغم من مواجهتها عسكريًا بحسم٬ وتلك التى تترعرع أيضًا فى قلب العاصمة المصرية على الرغم من مساعى الأمن الحثيثة للتصدى لها. نعم٬ الأمن يحارب الإرهابيين ويواجه مخططى العمليات الإرهابية٬ والتعديلات القانونية (لو لزمت) تقدم تسهيلات على هذا الصعيد٬ لكن ماذا عن البيئة السياسية المغلقة التى تجعل من أى شاب حانقا اجتماعيًا أو معارضا سياسيًا فريسة سهلة للتطرف؟ هل من يجيب؟

لذا نقولها قولاً واحدًا٬ الحرب على الإرهاب فى مصر تتطلب مواجهة الواقع رغم صعوبته وقسوته بدلا من التنصل منه بصناعة فقاقيع متوقع انفجارها فى وجوهنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف