الأهرام
جمال عبد الناصر
من ثمرات شهر الصيام.. الصبر
جاء شهر رمضان وهو مدرسة إيمانية كبيرة تتربي فيها النفوس؛ فبما أن الصيام جُنّة يحمي صاحبه من الوقوع في الزلل، فلا بد للصائم أن يتعالى عن سفاسف الأمور، وأن يقابل كل استفزاز وإثارة بالصبر والتصبر، فرمضان مدرسة ربانية أخلاقية كبرى لا بد أن نربي فيها أنفسنا، حيث إن المسلم لا بد أن يتسلح بأسلحة إيمانية؛ كي يواجه بها شتى المصاعب والمشكلات، فلا بد من التسلُّح والتقوي بتلك الأسلحة.
وهنا يلزمنا الاقتداء بأشرف خلق الله رسلِه الكرام الذين سماهم الله -عز وجل- أولي العزم، حيث خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم، ونحن معنيون بالخطاب معه، إذ العبرة -كما قال علماء الأصول- بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، يقول ربنا تبارك تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} [الأحقاف: 35]، ويقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157[البقرة: 135-157].
إن الصبر خلق عظيم، وله فضائل كثيرة منها أن الله يضاعف أجر الصابرين على غيرهم، ويوفيهم أجرهم بغير حساب، فكل عمل يُعرف ثوابه إلا الصبر، قال تعالى: {إنَمَا يُوَفَى الصَابِرُونَ أجّرَهُم بِغَيرٍ حِسابٍ} [الزمر:10]
من أهم الأسلحة الإيمانية التي تلوذ به الأمة في هذا التحدي سلاح الصبر فهو من أسمى دروس شهر رمضان شهر الجهاد والصيام، وقد أثبتت التجارب أنَّ مواجهات هذه التحديات بالصبر يحوٍّل المحنة إلى منحة، وقد وعد الله الصابرين جزاء لا حدود له، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر/10] والصابر يتحصل على أجره مرتين، قال تعالى: {أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} [القصص:54].
فالصبر إذن هو العبادة في حال الابتلاء؛ لأنه الدواء الذي يُذهِب الله به ألم المصيبة وكربها، ويحيل الغرم إلى غُنم، وقد قيل إن الفضائل مرجعها إلى الصبر، والصبر ليس بالأمر الهين، فما سمي الصبر صبرًا إلا كما قال أبو بكر بن الأنباري عن بعض العلماء: "إنما سمي الصبر صبرًا؛ لأنَّ تمرره في القلب وإزعاجه للنفس كتمرر الصبر [الدواء المر] في الفم" فالصبر حبس النفس على ما تحب، أو عمَّا تكره.
ولأهمية هذه الخاصية للأمة الإسلامية نرى أنَّ القرآن الكريم قد مدح الصبر وأهله في الكثير من آيات الذكر الحكيم، منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة/153] فمعية الله لا تتحقق هنا إلا للصابرين، فبالصبر تتنزل السكينة وتحصل الطمأنينة، والصبر هو السبيل لنيل حب الله قال تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران/146]، وفي سورة العصر قرن الله التواصي بِالْحَقِّ والَتَوَاصي بِالصَّبْرِ، فالصبر هو الزاد الذي يغذي الأمة، وسلاح من أسلحتها الإيمانية التي تذود بها عن هويتها الحضارية، فالتمسك بالصبر سنة من سنن الله الكونية فعلى قدر التمسك بالصبر يكون النصر، والذي يميز أمتنا عدم استسلامها لليأس، بل تصبر حتى تتجاوز الشدة فسنة الله الكونية هي أن النصر مع الصبر: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة/24].
فاللهم ارزقنا الصبر في شهر الصبر، وأعنا على الطاعة والرضى بقضائك والصبر على بلائك، واجعله شهر خير وبركة على الأمة الإسلامية جمعاء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف