المصرى اليوم
ناجح ابراهيم
بانوراما أحوالنا قبل رمضان
لم يبق سوى يوم واحد على قدوم شهر رمضان
إلى دنيانا، ترى هل يستطيع الشهر الفضيل، بصيامه وقيامه وركوعه وتلاوته وصلاته وصدقاته وروحانياته، أن يغير شيئاً من حال بلاد المسلمين، وما أدراك ما حالها؟ فيا أسفاً عليها!.
بلادنا لديها النيل والفرات وتستورد معظم الحاصلات الزراعية، لدينا أعظم الأنهار ونعانى نقص المياه، ثروات بلاد العرب والمسلمين لا تنعش اقتصادهم ولا تدير ماكينات مصانعهم، ولكنها تنعش اقتصاد أمريكا والغرب وتدير كل مصانعهم وتضخ الرخاء فى عروقهم، أما عروقنا الاقتصادية فأصابها التيبس والجفاف.

بلاد وحكومات المسلمين لا هَمّ لهم إلا صناعة الميليشيات فى كل مكان، بعضها يولد ويزرع الميليشيات التكفيرية، وبعضها يفرخ الميليشيات الشيعية الطائفية، وكلاهما يقتل باسم الله ويفجر الآخر انتصاراً للمذهب، ويقتل بالاسم أو الوظيفة أو المذهب.

شعوبهم أفقر الشعوب، وحكامهم أغنى الحكام، أما شعوب الغرب فهى أغنى الشعوب وحكامهم أفقر من حكام العرب والمسلمين.

حكوماتنا وشعوبنا بأسهم بينهم شديد، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، اليمنى يحارب اليمنى، والعراقى يقاتل العراقى، والسورى يذبح السورى، والكردى يضرب العربى أو العكس، والسنى يكره ويقاتل الشيعى أو العكس، كلنا يحاول تحرير دمشق أو صنعاء أو عدن أو الموصل من بعضنا البعض، ولم تفكر كل هذه الميليشيات الجبارة فى تحرير الجولان أو القدس.

مصائر بلادهم وشعوبهم تُصنع فى الكرملين والبيت الأبيض والإليزيه و10 داوننج ستريت، وليس فى بلادهم. لا يصنعون دبابة أو طائرة أو مدفعا، ويتنادون بالحرب فى كل حين، صفقات أسلحتهم من الشرق أو الغرب هى رشاوى مُقنّعة للكبار فى العالم، نادراً ما تجد صفقة مطابقة للمواصفات، أو يستفاد منها فى تحرير الأوطان المحتلة.

معظم اللاجئين فى العالم من بلادهم، بعضهم يموت غرقا، والآخرون ينتظرون معونات الأمم المتحدة، وبعضهم يُطردون من بلد إلى آخر.

فإذا استقر المقام ببعضهم فى بلد، فكر بعضهم فى التكفير والتفجير والدهس بدلاً من أن يكون عنوانا لوطنه ودينه، كل ميليشياتهم حمقى، يقتل بعضهم بعضاً، ويفجر بعضهم بعضاً، ولكن العقل والحكمة تتنزل عليهم عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فالسلام والسكينة تتنزل عليهم، الكل يغازل إسرائيل سراً وجهراً، ولكنه لا يمد هذا الغزل يوماً إلى بنى جلدته ووطنه، والحجج جاهزة وحاضرة فى العقل الذى ضل، والقلب الذى أفسدته الأهواء.

أما حكام بلاد المسلمين فهم أطول الناس جلوساً على كراسى السلطة، ولا يتركه أحد إلا بأقرب الأجلين، بعض حكامهم إما على الكرسى أو فى السجن أو القبر، هكذا جرت السُّنة فى بلادهم، لا تجد مثلاً خمسة حكام سابقين يتشاركون فى افتتاح مشروع قومى، فهذا محال فى بلادهم.

ثوراتهم فوضوية، قد تبدأ نظيفة ثم تتلوث، أو سلمية ثم تتلون بلون الدماء القانى، أو عقلانية ثم يتلبسها جنون العاطفة ودغدغة المشاعر بالباطل، أو تبدأ بالحب وتنتهى بالكراهية، تبدأ بالتوحد وتنتهى بأسوأ الصراعات.

حذاء اللاعب عندهم أغلى من عقل العالم والباحث، أجر ساعة لراقصة شبه عارية أغلى من أجر عشرات العلماء الكبار سنوات.

نسبة الأمية فى بلادهم من أعلى النسب فى العالم، مع أن كِتابهم بدأهم بخطاب «اقرأ»، ولكنهم فهموه «ارقص»، تفتح أى قناة أو تشاهد فيلما أو مسلسلا فتجده ماخوراً من الرقص المبتذل وغير المبرر، المقحم دراميا بأسلوب فج.

ليس لديهم أدنى إنجازات حتى بالكلام فى تحرير القدس والمسجد الأقصى، وفى نفس الوقت يسبون صلاح الدين الأيوبى موحد العرب وفاتح القدس دون دماء، بعضهم يعشق تكرار التبول فى بئر زمزم طلباً للشهرة الكاذبة.

مياه بلادهم الإقليمية لا تتجول فيها سفنهم وغواصاتهم، وتعربد فيها غواصات الشرق والغرب، سماؤهم لا تطير فيها مقاتلاتهم الحربية، فى معظم بلادهم قواعد عسكرية أجنبية ولا يجرؤ أحد أن يعرف ما يدور فيها.

بلادهم لا تصنع حتى التوك توك، وتستورد الفانوس والمسبحة وأصغر الأشياء من الصين، لا تحسن بلادهم سوى صناعة الإرهاب ثم الانشغال بمحاربته.

يفصلون بين العبادات والمعاملات وبين «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» و«وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ»، يهتمون بظاهر الدين ولا يلتفتون لباطنه، يسألون عن حكم دم البرغوث ودم الحسين وأمثاله وأتباعه مراق بينهم، يغسلون الأبدان ولا يغسلون القلوب، يصلى ويرتشى، يصلى ويكفر ويفجر، يصلى ويأكل أموال اليتامى بالباطل دون شعور بأى خلل فى فهمه للدين.

شوارعهم تعج بالفوضى والأخلاق السيئة، تحصل على المخدرات فى بلادهم أسهل من بعض السلع.

فى كل بلادهم آلاف السجناء السياسيين، يبنون السجون أكثر من الجامعات، بلادهم تحن إلى نموذج كوريا الشمالية ولا تشتاق أبداً لأن تكون الجنوبية.

خزائن الأرض فى بلادهم وديون الأرض تركبهم، معظم جامعاتهم خارج التصنيف العالمى، جامعاتهم تدار من خارجها، وآخر اهتماماتها التعليم الجيد.

لم تعد لهم صحيفة بارزة أو صحفى يقرأ له العالم، أو قناة يشار إليها بالبنان دولياً ومهنياً، كتابهم الكبار العالميون مات معظمهم، وغاب الباقون، المَلَكات تُقتل فى بلادهم ولا تنتعش عقولهم إلا حينما تخرج من بلادهم.

ترى هل يستطيع هذا الشهر الكريم بروحانياته أن ينفث بالإصلاح فى هذه الأمة، ويسد هذا الفتق الكبير ويعالج كل هذه الآفات، أم أنه سيُهزم مثل كل عام؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف