المساء
عثمان الدلنجاوى
رمضان الذي جافيناه..!!
تفصلنا ساعات عن شهر رمضان.. وهو شهر أنزله الله منزلة علية وأنزلناه نحن منزلة أخري جعلت د.مصطفي محمود يتساءل: كيف يخلق لنا الله فماً وأسناناً وبلعوماً ومعدة لنأكل ثم يقول لنا صوموا.. كيف يخلق لنا الجمال والشهوة ثم يقول لنا غضوا أبصاركم وتعففوا.. هل هذا معقول؟!
وأنا أقول لهم بل هو المعقول الوحيد.. فالله يعطيك الحصان لتركبه لا ليركبك.. لتقوده لا ليقودك هو ويخضعك.. وجسمك هو حصانك المخلوق لك لتركبه وتحكمه وتقوده وتلجمه وتستخدمه لغرضك وليس العكس.
ومن هنا كان التحكم في الشهوة وقيادة الهوي ولجام المعدة هي علامة الانسان.. أنت انسان فقط في اللحظة التي تقاوم فيها ما تحب. وتتحمل ما تكره.. أما اذا كان كل همك هو الانقياد لجوعك وشهواتك فأنت حيوان تحركك حزمة برسيم وتردعك عصا.. وما لهذا خلقنا الله.. الله خلق لنا الشهوة لنتسلق عليها مستشرفين الي شهوة أرفع.. نتحكم في الهياج الحيواني لشهوة الجسد ونصعد عليها لنكتفي بتلذذ العين بالجمال. ثم نعود فنتسلق علي هذه الشهوة الثانية لنتلذذ بشهوة العقل الي الثقافة والعلم والحكمة ثم نعود فنتسلق الي معراج أكبر لنستشرق الحقيقة ونسعي اليها ونموت في سبيلها.
معارج من الأشواق أدناها الشوق الي الجسد الطيني وأرفعها الشوق الي الحقيقة والمثال.. وفي الذروة.. علي الأشواق لرب الكمالات جميعها الحق سبحانه وتعالي.
فالحياة رحلة تعرف علي الله. وسوف يؤدي بنا التعرف علي الله وكمالاته الي عبادته.. هكذا بالفطرة ودون مجهود.. وما الصيام الا التمرين الأول في هذه الرحلة.. انه التدريب علي ركوب الفرس وترويضه وتطويعه بتحمل الجوع والمشقة. وهو درس الانضباط والأدب والطاعة. لكن هل نعرف شيئا من ذلك اليوم؟!
يجيبنا د.محمود في كتابه "الاسلام.. ما هو" بأن هذه المعاني الراقية ليس منها ما نعرف في صيام اليوم من فوازير ونكات وهزليات وصوان ومكسرات وسهرات. وانما الصائم يفرغ نفسه للذكر وليس للتليفزيون. ويخلو للصلاة وقيام الليل وتلاوة القرآن وتدبر معانيه وليس للرقص وترديد الأغاني المكشوفة.
وقد كان رمضان دائما شهر حروب وغزوات واستشهاد في سبيل الله.. ذلك هو الصيام الرفيع.. ليس تبطلا.. ولا نوما بطول النهار وسهرا أمام التليفزيون بطول الليل.. وليس قياما متكاسلا في الصباح الي العمل.. وليس نرفزة وضيق صدر وتوترا مع الناس.. فالله في غني عن مثل هذا الصيام وهو يرده علي صاحبه ولا يقبله. فلا ينال منه الا الجوع والعطش وانما الصيام هو ركوب لدابة الجسد لتكدح الي الله بالعمل الصالح والقول الحسن والعبادة الحقة. واسأل نفسك عن حظك من كل هذا في رمضان. وستعلم الي أي حد أنت تباشر شعيرة الصيام.. وفي موضع آخر تمني د.محمود أن نحترم شهر القرآن.. ونعرف ماذا نشاهد.. فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه "ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوي القلوب".. نحن علي قناعة أن إعلامنا نزع مفردة الاحترام من قاموسه.. فهل ستتحلي أنت بقليل من الاحترام وتقلب شاشة تليفزيونك أو علي أقل تقدير تحذف بعض القنوات وتكتفي بما يعزز احترامك لشهر رمضان الفضيل..؟! والجواب عن هذا السؤال ليس عندي.. وانما يعلمه كل واحد عن نفسه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف