الوطن
نشوى الحوفى
رؤية سلمية للإسلام... للدين رب يحميه
بدأت اللعبة منذ سنوات طويلة بعيدة، رُفع فيها اسم الدين فى كل مرة على راية الحروب زوراً. وكُتب التاريخ بصورة موازية للحقيقة، فزيف وعى الناس ليستمر الصراع بين العقائد المتنوعة وليستمر الدين حاضراً كلما احتجنا له، ليكون أفيون الشعوب. تذكرت هذا وأنا أتابع تصريحات الإعلام الغربى ومستشارى الرئيس الأمريكى عن خطابه الملقى فى قمة الرياض «الإسلامية الأمريكية»!! الذى حمل عنواناً ليس بالغريب -لوعيى بما يتم الإعداد له منذ سنوات- وهو «رؤية سلمية للإسلام». وكأن ترامب جاء لجمعنا على المفهوم الصحيح للرسالة المحمدية! أو لتغيير رؤية العنف التى أقرنوها بالإسلام منذ مئات السنين!

وللعجب أن صدرت فى بلادى تصريحات لرجل الدين المسيحى القس مكارى منذ أيام لم تحمل جديداً فى عالم الإساءة للعقيدة الإسلامية، بل كانت تجديداً لفكر جاهل بحقيقة الدين ارتبط بممارسات السياسة لا بحقيقة الرسالة، رداً على تصريحات أكثر جهلاً للشيخ سالم عبدالجليل، وكأننا مصرون على تكرار سيناريو الإخوانى محمد سليم العوا والقس بيشوى منذ ما يقرب من ثمانى سنوات بذات الفكر القمىء المُسىء للرسالات والمثير للفتن والكراهية من دون وعى بحقائق تاريخ أو ظروف السياسة التى استخدمت الدين لمصالح لا علاقة لها بالله أو رسله أو رسالاته، ولذا فكلماتى ليست دفاعاً عن معتقد، فللدين رب يحميه، ولكنها جاءت دفاعاً عن وطن فى مهب الريح ومنطقة تسير نائمة لمصير مخطط له.

وأعود لعبارة «رؤية سلمية للإسلام» لأتساءل عن أى رؤية يتحدث ترامب؟ عن الوهابية التى جاء لعقر دارها ويعلم حقيقة الاتفاق بين عقول تاجرت بالدين وأخفت حقيقته وأظهرت منه ما ليس بالصحيح مقابل صكوك حُكم لأسرة ينهشها الخوف على عرشها؟ أم عن منظمات ما أنزل الله بها من سلطان سمح لها الاستعمار أياً كان اسمه منذ عشرات السنين بالوجود والتمويل والتمدد لحساب مصالحه، فرفعت شعار الدين وحمايته وتوغلت فى فكر متطرف تمدد لبلاد الاستعمار ذاته بسماح منه فى بعض الأحيان وفى غفلة منه فى أحيان أخرى وبات يحسبها علينا ويحاسبنا بفعلها، لا بل صارت هى الإسلام فى حديثه وأصبح فى القضاء عليها مواجهة لرسالة كان عنوانها السلام وقبول الآخر منذ أن عرفتها البشرية؟ فعن أى رؤية سلمية للإسلام سيحدثنا ترامب؟

أرفض دوماً إقران ما لله بفعل البشر. بمنطق أن الاتجار بالدين ليس بالحديث فى العالم، إذ فعلها الكهنة القريبون من الحكام فى كافة الحضارات منذ آلاف السنين لضمان النفوذ والبقاء والسيطرة لا على الشعوب وحسب، بل على الحكام أيضاً لأنهم من يمنحونهم صكوك الحكم باسم الله على الأرض. واستخدمها رجال دين من كل لون لضمان القضاء على المعارضين وبسط الهيمنة، ولنا فى قتل هيباثيا فى التاريخ المصرى عظة بفتوى هرطقة منحت الغوغاء إباحة قتلها سحلاً ليقضى على التفكير لقرون. وفعلها الصهاينة فاستخدموا اليهودية معبراً لاحتلال أرض والسيطرة على العالم ومقدراته. وفعلها من ادعوا امتلاك الإسلام فكراً وفهماً ونصوصاً، فسلبوا الناس أهم أمانة منحها الخالق لهم «العقل».

ولذا فلست بحاجة لرؤية ترامب وصحبه وشركاه والتابعين له نياماً. ولكننى بحاجة لفكر واع ومتجدد وناقد وبناء لمعانى الإنسانية وقيم الحق والجمال والخير والإبداع. نحن بحاجة لبناء منتج يمنح المنغمسين فيه أخلاقيات الكفاءة والانضباط وروح الفريق والانتماء. نحن بحاجة لغرس قويم يعتمد البحث العلمى، فيربطه بسوق العمل، وما نقدمه من صناعات. نحن بحاجة لثورة ضمائر تنفض ما أصابنا من وهن وجهل وتطرف بعمل لا يكل ولا يمل لرفعة وطن. نحن بحاجة لقراءة صحيحة متأنية لتاريخ وأحداث، لنخرج منها بعظة، فآفة حارتنا الجهل بالماضى والحاضر. لسنا بحاجة لرؤية ترامب السلمية للإسلام، فللدين رب يحميه، بل بحاجة لرؤية إنسانية نمنحها شعوبنا وضمير يقظ لدى من يدعون امتلاك نواصى الدين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف