الأهرام
عزت السعدنى
عزيزتى ايزداوارا ...سلاما...
هذا الكشف الأثرى الكبير الذى عثروا عليه فى تونا الجبل.. والذى أخرج من تحت حقب وقرون الزمن مومياوات لكهان.. وإن كانت على الأرجح كما قال العالم الأثرى الكبير سامى جابرا لسحرة فرعون موسى قبل الزمان بزمان.. وإن كانت تلك حكاية ورواية أخرى.. سوف نتناولها فى حينها..

ولكن لعل أهم كشف أثرى هنا هو العزيزة ايزادورا أشهر عاشقة فى التاريخ المصرى كله.. وإن جاءت بعد نفرتيتى ونفرتارى.. والأولى هى زوجة وحبيبة قلب اخناتون العظيم النبى المصرى الذى لم يذكره القرآن فيم ذكر من أنبياء ورسل.. وهو أول نبى آمن بالاله الواحد الأحد.. قبل كل أنبياء الله ورسله..

علي أي حال.. فلنبدأ اليوم بحكاية أعظم وأجمل قصة حب مصري قبل الزمان بزمان.. قصة حب مصرية ايزادورا الفتاة الرومانية والضابط المصري الشاب الذى يعرف اسمه قبل الزمان بزمان.

ولقد كتبت عنها هنا في نفس المكان قبل نحو خمسة عشر عاما عندما زرت الأشمونين.. وها أنذا أعيد إلي أسماعكم وأعينكم وقلوبكم أروع قصة حب عاشت ومازالت علي ضفاف النيل..{

>الحب لا يموت أبدا.. يذبل يرحل ينطوي يتقوقع ولكنه لا يموت حتي لو ذهب العاشقان إلي عالم سرمدي أبدي.. حتي لو فردا شراعيهما ورحلا في نهر بلا عودة.. يبقي الحب.. وتبقي حكاياته ورواياته تنتقل من فم إلي أذن.. ومن أذن إلي فم.. ومن شاعر إلي قصاص.. ومن قصاص إلي شاعر ومن جيل إلي جيل، ومن بلد إلي بلد.. حتي تتحول إلي أسطورة جميلة محلقة يجتاحها مغردة في سمع الزمن.

وهل هناك في الوجود كله ما هو أجمل من قصة حب تحولت إلي أسطورة؟

وأروع قصص الحب في هذه الدنيا التي نحياها.. هي قصص الحب التي انتهت بالفراق لا بالعناق.. بالبعاد لا بالاقتراب.. بالاغتراب لا باللقاء.. بالحرمان لا بالوصال!

حتي قصص الحب التي صاغتها أقلام الشعراء والأدباء من أمثال وليام شكسبير ومكسيم جوركي وتشارلز ديكنز والبير كامي وأمرؤ القيس وقيس بن الملوح وابن زيدون وأحمد شوقي ونزار قباني وإبراهيم ناجي.. وصورتها ورسمتها ريشة فنانين عظام من أمثال رفائيللي ومايكل أنجلو وليوناردو دافنشي وفان جوخ.. الذي قطع احدي أذنيه وأرسلها إلي حبيبته لترضي عنه.. ولكنها لم ترض.. ولكنها كانت نهايتها مفجعة ومحزنة ومظلمة وغارقة في الألم والمواجع!

أما أخلد قصص الحب التي تناقلتها القلوب ويحكيها الرواه في كل زمان وفي كل مكان حتي أصبحت نسيجا وحدها رغم ما فيها من ألم ووجع وحزن دفين.. فهي قصص الحب التي انتهت ويا للغرابة بالموت.. وكأن الدنيا لم تكتف فقط بفراق الحبيبين.. بل تدفع أحدهما للموت أو كليهما!

تجدها في روميو وجولييت لشكسبير.. العاشقان ماتا هنا.. وقصة مدينتين لديكنز العاشق هنا ضحي بحياته تحت المقصلة من أجل محبوبته.. حتي في أساطيرنا وحكاياتنا الشعبية التي يرويها الراوي علي المقاهي زمان وفي أفلام السينما والحكايات الشعبية، نجد قصة حسن ونعيمة وبهية وياسين.. وقصة العاشقين في الأدب المصري القديم التي انتهت نهاية مأساوية بمصرع العاشق بين فكي التمساح المسحور!

مأساة المحبلين إذن.. عمرها من عمر الزمن..

ما بال الدنيا تطارد المحبين والعاشقين والمغرمين بصدق وبحق وبعبادة.. حتي إن شاعرا عظيما مثل جوته يقول لنا:

الحب الذي لا ينتهي بمأساة ليس حبا!

ولما سألوه: لم؟

قال: الحب بعيش بالألم ويرتوي بالحرمان وينمو بالهجر ويفرد جناحيه

بالفراق، ويحيا بالموت!

ولم يزد الشاعر جوته حرفا واحدا بعد ذلك..

وقد سألوا نابليون بونابرت أعظم الفاتحين في التاريخ الحديث وقد كان عاشقا للنساء: ما الذي يقتل الحب؟

قال: النهاية السعيدة!

وقد اكتشفت أن ما قاله الشاعر الألماني والقائد الفرنسي قد يكون صحيحا حقا.. وأنا أقف علي عتبة قبرها المهيب في قلب تلال ملوي غرب النيل في المنيا.. انها صاحبة واحدة من أعظم قصص الحب، وأخلد روايات العشق في التاريخ المصري كله.. قصة عمرها واحد وعشرون قرنا من الزمان.. ومازال الرواة يروونها.. ومازالت الألسنة تتحدث عنها ومازالت القلوب تدق بعنف عند سماعها هذه القصة الأسطورية التي مازال قبر الحبيبة شاهدا عليها عبر العصور وعبر الأزمان.

{{{

نحن الآن نقف أمام قبر ايزادورا صاحبة أجمل قصة حب كان النيل شاهدا عليها قبل 2125 سنه..

نحن الآن نقف في اجلال واحترام للحب الذي عاش قبل واحد وعشرين قرنا وسوف يعيش الدهر كله.. فالحب لا يموت أبدا.. حتي لو ذهب المحبون وغربت شمس حياتهم.. فإنه يبقي لنا في صورة رواية.. حكاية أسطورة.. لا نمل سماعها ولا نمل نحكيها.. فكلنا يقف للحب تعظيم سلام..

نحن الآن أمام عتبة دار ايزادورا العاشقة التي أحبت ولكن قصة حبها لم تكتمل.. لتصبح ايزادورا أسطورة حب كان فيها النيل هو الشاهد وهو الجاني وهو الباكي وهو الحاكي!

تعالوا نفتح كتاب الحب.. وهو كتاب صفحاته لوعة وعشق وسهر وهجر ووصال وفراق ودمع ونحيب ورحيل وجفاف نبع وانكسار عود وانطفاء شمعة!

تعالوا نفتح كتاب ايزادورا الاغريقية الجميلة التي ولدت علي ضفاف النهر ورضعت من ثدي النهر حبا وعشقا وتدلها.. وتفتح قلبها البكر لطارق من أبناء النيل.. فتي مصري يافع.. جندي شاب يذوب لون سمار النيل وشعاع الشمس في عينيه وفي وجنتيه وفي ساعديه.. السيف سلاحه والأشعار لغته والعشق زرعه وقمحه والحب داره وقراره..

شمس المنيا دافئة ساطعة دائما.. كنا أربعة سلوي السروجي كنز المعلومات الأثرية والسياحية، والأثري باسم بهجت، وأسامة عبد الصمد شعلة النشاط السياحية التي لا تهدأ والتليفزيونية علياء عبد المنعم وأنا.. كان علينا لكي نصل إلي قبر ايزادورا في تونا الجبل أن ندخل ملوي أكثر مدن الصعيد حرارة والتهابا.. ولكننا وجدنا كل شيء هادئا ولا يعكر صفو مياه بحيرتها ولو حجرا صغيرا.. الناس تروح وتجيء تشتري وتبيع، تأكل وتشرب، تحب وتكره، تتزوج وتتنكد.. وكلها مفردات البيت المصري..

اخترقنا ملوي من الشرق إلي الغرب.. ومررنا بعد 8 كيلو مترات بأطلال مدينة الأشمونين التي ظهرت فيها أول عقيدة لخلق العالم علي يد الإله تحوت.. وعمر هذه المدينة التي تحولت إلي أطلال الآن يعود إلي الدولة القديمة وظلت تشع بالحياة والعقيدة الدينية حتي العصر الروماني..

اسأل يومها: من أين جاء اسم الأشمونين؟

يرد الأثري باسم بهجت: انها تعريف لكلمة خمنو أو مدينة الشمانية المقدسة باللغة المصرية القديمة، وكان الاغريق يطلقون عليها اسم هيروموبوليس.. وقد تطورت الكلمة من خمنو إلي شمنو في العصر القبطي ثم أصبحت مع دخول العرب إلي شمنو ثم تحرفت مع الأيام إلي الأشمونين.

تشير سلوي السروجي إلي عدد من الأعمدة الجرانيتية الحمراء ذات التيجان وتقول: هنا كانت السوق اليونانية واسمها الاجورا والتي أقيمت سنة 350 قبل الميلاد حيث التقت ايزادورا بحبيبها الجندي المصري لأول مرة.. تذكر هذا المكان جيدا!

علي باب المدينة المهدمة نمر علي تمثال ضخم للإله تحوت إله الحكمة علي هيئة قرد البابون..

ويفسر باسم بهجت: كان المصريون القدماء يرمزون لإله الحكمة الموقر بالقرد البابوني وبطائر أبو منجل الذي كان يعيش في بحيرة كانت موجودة في تونا الجبل ثم اندثرت وكان بها أوراق نبات البردي ويعيش فيها أبو منجل وهو يشبه أبو قردان الذي نعرفه في قرانا الآن.

تبتعد القري وتنحسر البيوت ويختفي اللون الأخضر وينسحب الإنسان لندخل في بحر من الرمال نخترقه بسياراتنا فوق طريق ضيق يتلوي كالثعبان من الاسفلت.. بعد عشرة كيلومترات أخري ندخل في بطن الجبل ويعلن من معنا: هذه هي تونا الجبل.. هنا تشاهد آخر فصل في أخلد قصة حب في سمع التاريخ المصري كله!

لماذا سميت باسم تونا الجبل؟

أنتم تسألون:

والجواب: لأن كلمة تونا مشتقة من الكلمة المصرية القديمة طاجنت وهي تعني البحيرة الصغيرة التي كانت تملأ المكان هنا ويحيط بها نبات البردي الذي كان يتغذي عليه طائر أبو منجل المقدس رمز اله الحكمة مع قرد البابون..

وأتلفت حولي فلا أجد إلا بحيرة من رمال في حضن الجبل.. وأجدني أردد أبيات قصيدة أبوالقاسم الشابي وصوت عبدالوهاب: كلها ضاعت. ولكن كيف ضاعت.. لست أدري؟

هذا المكان كله اكتشفه وأزاح الستار عنه عالم مصري جليل هو الدكتور سامي جبرا..

نقف كلنا اجلال واكبار لعالم مصري جليل!

ها نحن نقف أمام بابك يا أيتها العاشقة الصغيرة.. ولنترك لمكتشف دارك ومقامك وقصتك العظيمة يروي لنا قصتك التي مازالت تحيا في قلب الزمان وسمعه.. كما كتبها في كتابه الرائع في رحاب المعبود..

تعالوا نسمع سامي جبرا وهو يتكلم:

هناك إلي اليسار دار صغيرة بيضاء اللون يبلغها المرء علي درج يكاد يكون رأسيا.. وينتصب أمامه مذبح مسنن الرأس مدبب وقد قدر لنا بعد عملية إنهاض للبناء قمنا بها علي عجل، أن ننقذ من الدمار نموذجا يعد من النوادر في كل ما عقرنا به في المكان الذي دارت فيه أعمال التنقيب التي قمنا بها. فهي تضم - من عشرين قرنا - بقايا رميم من رفات صبية غضة اختطفها الموت في ظروف كانت بالتأكيد مفجعة. فأقام لها والدها الملتاع هذا الضريح الصغير الذي تستحق عمارته كل اهتمامنا.

تتكون الدار الجنائزية من حجرتين متجاورتين، تستخدم أولاهما للاستقبال والصلاة، هيئت جدرانها بثلاث كوات، وأما أرضيتها فحمراء اللون، وقد غطيت الجدران حتي مطلع الزينة من أعناقها بكساء فيه تقليد لمختلف أنواع الرخام.. وأما الحجرة الثانية فكانت تنطوي علي المومياء بزينتها الزخرفية والدينية.. وعلي العمودين الصغيرين اللذين يحتضنان الباب بين الحجرتين، عبر الوالد المحزون عن بره وتقواه، في مقطوعتين من الشعر صيغتا باللغة الإغريقية ونقش نصفهما بالمداد الأسود..

تعالوا ندخل حجرة الدفن، لقد وضعوا السرير الفاخر في هيئة أسد، علي غرار ما كان معروفا في العصر الفرعوني، يقوم علي عمودين حلزونيين، وتعلوه قوقعة في طرفها الأيمن رسوم ترمز إلي المعبودة إيزيس: هلال طرفاه إلي أسفل وفي الأعلي نجمتان لإتمام الزخرفة.

فوق هذا السرير رقدت ايزادورا رقدتها الأخيرة منذ نحو ألفي عام ولكن للأسف وللحسرة شاءت الأقدار أن يقض مضجعها عبث لصوص من المحدثين من أهالي قرية مجاورة، اقتحموا حرمة الضريح من سقفه المقبب، وأخلوا الدار من محتوياتها، وإنهار ما بقي من السقف فوق جثمان ايزادورا فتركتها هشيما.. وعند النظر إلي هذا الهشيم والتحليق فيه، وجدت في إصبع من أصابع اليد اليسري خاتما من ذهب، له فص من زبرجد.. وهو اليوم في المتحف المصري.

وعثرت بعد ذلك بين الأنقاض علي قطعة برونزية من العملة عليها صورة هادريان وعلي الرغم مما غمر ضريح ايزادورا من مشاهد التخريب المحزن لم نفقد الإقدام في شجاعة وسرعة علي ترميم الجدران المتداعية، وإنقاذ ما كتب علي العمودين الصغيرين من مقطوعتي الشعر، ثم جزء من القوقعة.

........

.........

مازلنا ندب باقدامنا داخل المثوى الأخير لصاحبة اعظم قصة حب مصرية{!

> هذا الكشف الاثرى الكبير في تونا الجبل الذى عثروا فيه علي 18 مومياء.. مازل يبوح لنا باسراره العجيبة! >

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف