الجمهورية
منى نشأت
بعينك
دخلت بيتي وبين يديها الخير. ألوان تسر الناظرين ورائحة الطبيعة الشهية.. رفعت جلبابها لتجعل له عبا. أخرجت منه حبات طماطم بريئة الاستدارة. وخيار يجيد الاستقامة وفلفل ينثني وينحني بنعومة محسوسة. شغالتي زوجها بواب والشارع بجانبه.. والوقت فاضي.. وحس الفلاح.. متاح. رمي البذور وسقاها واعتني.. وأكملت شمس ربنا المهمة ومعها الطين رمز الخلق. فأثمرت الأرض.. طبق سلطة وأكلة غداء.. وفاطمة لا تعرف كيف تفرح وحدها.. أتتني بخيرها.
أبداً
أشياء لا أفعلها أبداً.. أن يمد أحدهم الطعام إلي فمي ومطلوب أن أجامله.. لا أحب هذا المشهد وجملة "عشان خاطري دوقي هذه" ولن أذوق أبداً.. شفاهي لا تنفتح إلا بقراري ربما اكتفاء بما ابتعلت من مر رغماً عني.. اعتزازي بالشفاه.. سخافة. لا أدري.
لكن "فاطمة" حين مدت يدها بعود الجرجير قضمته دون جدال.
وتعجبت أني سلمتها يدي لتسحبني خلفها.. وكان يستفزني إشارة أحدهم للمكان الذي سأجلس عليه ويضايقني أن أجد اسمي وقد التصق بظهر مقعد.. والمطلوب.. أقعد. وأظل أتململ في جلستي من المكتوب علي الجبين.. وعلي "الكرسي".
لكن فاطمة أخذتني من يدي وسرت خلفها راضية لأري أحلي ما تقع عليه عين. مساحة صغيرة تحمل ثمرات كثيرة.. ما أحلي أن يرعي رجل.. وينتج. ويؤكل أولاده من عمل يده.
والله لا أدري كيف أرد تلك الهدية الغالية. وخصوصاً أن فاطمة لها طبيعة خاصة. فهي من ذوي الاحتياجات الخاصة.. بها نوع من الإعاقة يحدب ظهرها ويعوق عمل يد من يديها. إنها تشبه أحدب نوتردام في رواية "فيكتور هوجو" الشهيرة.
تبكيني تصرفاتها أحياناً فهي تلمس كل شيء وتنطق باسمه فقبل أن تغسل ملعقة. تقول.. ملعقة.. حنفية.. ماء.. صابون.. وأضحك كثيراً وأنا أتصورها وهي تضع يدها علي كتف زوجها وتقول.. "جلابية".. كتف.. محمود.
لا أحد في الحي يقبل عمل فاطمة في بيته. حتي أهل بيتي تختلف قدراتهم علي تحملها.
لكن زوجها له فيها وجهة نظر أخري. بالمناسبة هو رجل عادي سليم بكامل عقله. أمر علي مكانه وأنا ذاهبة لعملي.. فأجده بجانبها "يملس" علي الباقي من شعرها فتخبط يده في فروة رأس خالية من النبت.. وهو يكمل "الطبطبة" تجري من أمامها سيارة مسرعة والزوجة لا تقم لها قائمة. فيقف بسرعة ليحميها من تراب تستثيره سرعة السيارة. أركن عربتي وأتأملهما وأردد سبحان الله. ويديمها عليهما نعمة.
تملكني الشغف لمعرفة هل أنجبت فاطمة. فقالت نعم ولكن والدة زوجي أخذته عندها. بالطبع حماتها متأكدة أن الأم لم تستطع القيام بمهمتها. الشغالة تحب حماتها وهي بدورها تحبها.. أما الزوج فيعاملها بحنان واحتواء وتقدير لحالتها دون من أو استعلاء.
كل هذا أضعه جانباً.. حين أحكي لكم عما سمعت حين طلبت زوج فاطمة علي المحمول.. فاستمعت إلي أغنية شادية "اتعودت عليك يا حبيبي.." وتعجبت وحين سألته قال تحل البركة علي يومي متي اصطبحت بوجهها أما الأجمل فهو نغمة محمول فاطمة نفسها "يا بنت السلطان حني علي الغلبان.. الميه في اديكي وحبيبك عطشان" وها هي تخبرني أن زوجها هو الذي وضعها علي موبايلها لتتذكر دائماً أنها بنت السلطان وحبيبها في انتظارها.
بماذا أرد هدية فاطمة وعندها.. كل شيء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف