بوابة الشروق
سامح فوزى
السجال الدينى
منذ عدة سنوات كنت أشارك فى لقاء رأسته السفيرة مشيرة خطاب ــ وكانت تشغل وقتها وزيرة السكان ــ الحديث كان عن العنف ضد المرأة والطفل. فى الاجتماع تحدث شيخ معمم طويلا عن أهمية احترام المرأة، وأفاض فى الحديث بأسانيد دينية، لكنه استخدم تعبيرا غريبا هو «وبعد أن عرف المجتمع المصرى طريقه إلى الدين....»، فى إشارة إلى حقبة السبعينيات من القرن العشرين وما تلاها، هنا ارتسمت علامات الاستغراب على وجه الوزيرة، وبقية الحاضرين، وبادرته بقولها «هل لم نكن قبل ذلك مسلمين؟».
هذا الحديث كاشف عن ذهنية ترى أن المجتمع المصرى لم يعرف طريقه إلى التدين إلا فى الأربعين عاما الأخيرة، رغم أن أعلام الفكر الإسلامى، وكتاباتهم النهضوية منذ القرن التاسع عشر مهمة وملهمة، فى حين أن الأربعين عاما الأخيرة كانت فى تقديرى الأقل اجتهادا وإبداعا فى الفكر الدينى. كل ما حملته سنوات ما أطلق عليه «الصحوة الدينية» مظاهر شكلية مثل الزى، والتعبيرات الكلامية، وفوضى الفتاوى، يضاف إلى ذلك ما نطلق عليه «السجال الدينى»، وهو حديث المفاضلة بشأن العقائد. لم ينشغل الناس بعقائدهم قدر انشغالهم بنقد عقائد غيرهم. وجرى استيراد كتب ملأت الأرصفة تطبع وتباع بأرخص الأثمان، لداعية من الهند، عاش فى جنوب إفريقيا اسمه «أحمد ديدات» يطعن فى العقيدة المسيحية، وعلى نهجه سار البعض ممن وجدوا فى ذلك سوقا رائجة فى النشر والشهرة، ونشر مشايخ ومفكرون إسلاميون مقالات وكتبا تطعن فى المسيحية، وظهر على الجانب المسيحى بعد عقود من أراد أن يدفع الاعتداء عن عقيدته بالطعن فى الإسلام مثل القمص زكريا بطرس، وغيره. ونقل «الإعلام الجديد» السجال الدينى من الحيز الورقى، المحدود، إلى آفاق غير محدودة من الانتشار، ودخول المتلقى دائرة المشاركة فى رسائل الإعلام. يكفى تأمل جمهور «الفيس بوك»، كيف يتفاعل مع الأخبار؟
هذه الخبرة الممتدة من الطعن فى العقائد لن تنتج شيئا ايجابيا سوى بلبلة الناس، واختلاط المفاهيم لديهم، وزرع نوازع الكراهية والعنف داخلهم، وانتجت تدين التحفز أكثر من تدين البناء، والتغيير الانسانى للأفضل، وبعث روح التنمية والتقدم.
الجدل الدائر حول ما ذكره الشيخ سالم عبدالجليل، وما ذكره آخرون تأكيدا لكلامه ودفاعا عنه، هو امتداد لهذه المدرسة، التى ترى أن الدفاع عن العقيدة لن يتأتى إلا بالهجوم على العقائد الأخرى. وهو منهج غريب ومتهافت، وكأن الله ينتظر البشر يدافعون عنه. وما يفعله الدكتور ياسر برهامى ليس بعيدا عن ذلك، فهى ذات المدرسة التى ترى أن مهمتها محاربة البدع، والطعن فى العقائد المخالفة، بحيث تصبح علاقات الناس فى المجتمع ليس على أساس المصالح، أو الانتماء للمهنة، أو الوسط الاجتماعى، مثلما يقضى المجتمع الحديث، ولكن على أساس العقيدة، وتصبح علاقات كفار فى مواجهة كفار. نتحسب من إلقاء السلام، ومن المشاركة فى الطعام، ومن أداء واجب العزاء، هل نقول «الله يرحم المتوفى» أم لا... الخ.
القضية ليست فى الشيخ سالم عبدالجليل الذى صوره الإعلام، وانهال عليه الناس تقريعا وكأنه الوحيد. ليس وحده، تأملوا المشهد تجدون كثيرين، إنها مدرسة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف