بوابة الشروق
زياد بهاء الدين
أزمة القضاء والإصلاح الشامل المنشود
قرار الجمعية العمومية لمستشارى مجلس الدولة يوم السبت الماضى بترشيح المستشار/ يحيى الدكرورى وحده رئيسا للمجلس جاء مفاجئا بسبب ما عبر عنه من تحدى القضاة للقانون الصادر منذ أسبوعين فقط، وبدء مواجهة جديدة بين الدولة والسلطة القضائية.

ولمن لم يتابع الموضوع من بدايته، فقد أقر مجلس النواب يوم ٢٦ إبريل تعديلات على قوانين محكمة النقض ومجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة، جعلت تعيين رئيس كل منها بقرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة مرشحين بعد أن كان التعيين بقرار جمهورى لمرشح وحيد يختاره القضاة. وقد صدق رئيس الجمهورية على القانون فى اليوم التالى وتم نشره مساء ذات اليوم وبات نافذا من يوم ٢٩ إبريل، وذلك بالرغم من اعتراض المجتمع القضائى على أحكامه وبرغم تحذيرات الكثير من المعلقين حول خطورة دخول الدولة فى معركة لا لزوم لها.

وللدقة فإن قرار مستشارى مجلس الدولة بتقديم مرشح واحد لرئاسة المجلس لا يخالف القانون على نحو ما عبر عنه المنتقدون لموقفهم لأن القانون ينص على أنه فى حالة عدم تقديم أسماء ثلاثة مرشحين إلى رئيس الجمهورية فيكون له أن يختار رئيس الهيئة القضائية المعنية من بين المستشارين السبعة الأقدم. ومعنى ذلك أن قرار قضاة مجلس الدولة بترشيح المستشار/ يحيى الدكرورى وحده يمكن وصفه بأنه تحد للقانون أو تعبير عن رفضه ولكنه ليس مخالفا له.

مع ذلك فإن الدولة وقعت فى «ورطة» بالغة الدقة بسبب التعجل فى اصدار التعديلات الأخيرة على قوانين السلطة القضائية وبسبب الاصرار على المضى فيها برغم تحذيرات الكثيرين من عواقبها السلبية ليس فقط على استقلال القضاء وإنما ايضا على وحدة المجتمع القضائى ومكانته فى المجتمع.

ومع تقديرى البالغ للمستشار/ يحيى الدكرورى ــ شخصيا ومهنيا ــ إلا أن الأهم فى تقديرى من مجرد البحث عن مخرج دبلوماسى من هذه الورطة هو أن ننتهز الفرصة لاعادة تقييم أحوال القضاء والعدالة فى مصر بشكل عام وليس فقط فيما يمس أحوال القضاة وكيفية تعيين رؤساء الهيئات القضائية. فالعدالة فى مصر تمر بمحنة حقيقية، أسبابها كثيرة ومظاهرها أكثر. وإذا كان جانبا من الرأى العام قد ساند موقف مستشارى مجلس الدولة فى موقفهم الأخير الرافض للحد من استقلال القضاء، فإن هذا يضع عليهم وعلى زملائهم فى باقى الهيئات القضائية واجب التصدى لمعركة اصلاح احوال القضاء بوجه عام، والدفاع عن الدستور كلما تعرض للتجاهل، وعن حقوق المواطنين وحرياتهم كلما تعرضت للانتهاك، وعن استقلال القضاء بكل أشكاله لا بمناسبة ما يمس تعيينات رؤساء المحاكم فقط.

نحن بحاجة ماسة فتح ملف العدالة فى مصر بإكمله، فى تعليم القانون، واختيار القضاة، وتدريبهم، وتوفير الموارد والامكانات التى تسمح لهم بالعمل فى ظروف مناسبة، وضمانات استقلالهم، وتطوير الاجراءات القضائية التى تكبل وتعرقل سير العدالة.

ولذلك فلا يجب أن يقتصر الحوار الدائر اليوم حول مجرد فض الاشتباك الدائر بين الدولة والقضاة لأن مستقبل العدالة ودولة القانون يمس الشعب المصرى بآسره وليس فقط أعضاء الهيئات القضائية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف