الأهرام
سناء صليحة
«تحيا الأمية»3
قبل اسبوعين فى سياق مقارنة بين سلوكيات وممارسات حملة الشهادات والخبراء وبين اولئك الذين لا يحملون سوى شهادة التوحيد بالله فيما يخص قضايا الوطن بدءاً من محاولة اشعال الفتن الطائفية وصولا للشعوذة والتشكيك فى الثوابت الوطنية ،تقافزت أمامى أكثر من علامة استفهام مشاغبة حول معنى الأمية ومن الاحق بأن ننعته بها وإذا ما كان الزمان دار دورته فبتنا نعيش زمنا يرفع فيه شعار «تحيا الأمية»!! ...

فرغم أن التاريخ يؤكد أن العلم كان السلاح الأمضى للإنسان على مر العصور فى كل معاركه على الارض منذ الخليقة وأن كلمة الأمية فى حدود علمى - لم تقترن قط على مدى التاريخ البشرى بأى حالة إيجابية اللهم إلا فى حالة وصف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالنبى الأمى لتأكيد أن رسالته إنما كانت وحياً من السماء ، وأن كل الدراسات وتقارير التنمية ووثائق منظمات الامم المتحدة، تؤكد أن الامية مشكلة قومية ذات تداعيات اجتماعية واقتصادية وثقافية وصحية مدمرة لأى مجتمع ، فإن كثيراً من الظواهر التى بات يعج بها مجتمعنا أظنها تطرح اسئلة حول التعريفات التى استقرت للأمية باعتبارها عدم القدرة علي قراءة وكتابة جُمل بسيطة فى أى «لغة» أو تزيد بعضها بإضافة الجهل بالتعامل مع الحاسب الآلي.

والأمر هنا ليس دفاعا عن التسريب من التعليم أو انقلابا على دعوة عميد الادب العربى التى اطلقها فى ثلاثينيات القرن العشرين ومقولته الشهيرة ان التعليم حق للجميع كالماء والهواء ـ اللذين يبدو مع الاسف أنهما لم يعودا حقا للجميع!!- ولكن يبدو أنه بات من المحتم أن ندرك الفرق بين الجهل بالحروف وأدوات التكنولوجيا وبين امية الوعى والإدراك والمشاعر والمعرفة التى اظنها اخطر من الامية الهجائية بدليل أن البحث عن ورثة حملة القلم والعلم الذين صنعوا تاريخ مصر على مر العصور بات أشبه بالبحث عن إبرة فى كوم قش!!

وبعيدا عن الدخول فى جدل حول النبرة التشاؤمية أو حالة النوستالجيا لماض لن يعود أو التشكيك و إهدار حق ملايين من حملة الشهادات الدراسية الموثقة والمضروبة أو ملاحظاتى حول سلوكيات المصريين المتعلمين ومن نصمهم بالجهل، فقد بدأ العالم يدرك الآن للأمية اشكالا وان اختلفت انواعها وأسبابها تتفق كلها فى آثارها الكارثية !!

فالأمية فى أبسط اشكالها هجائيّة بمعنى عدم قدرة الشخص على معرفة الحروف الأبجديّة والهجائيّة للغة الخاصة به وبالتالى تعلّم القراءة والكتابة ، أما الأُميّة الوظيفيّة فهى عدم قدرة الشخص على فهم المبادئ والأساسيّات الخاصّة بطبيعة العمل والوظيفة التى يشغلها وترتبط بها الأُميّة المهنية التى تعنى عدم معرفة الشخص بالمهن التى يجب القيام بها والتى تتناسب مع قدراته. النوع الثالث من الامية هوالأُميّة المعلوماتيّة وتعنى عدم قدرة الشخص على الحصول على المعلومات المختلفة والمتنوعة التى يحتاجها فى العديد من مجالات حياته. أما الأمية الثقافيّة فهى غياب الموروث الثقافى وتسطيح الوعى وعدم الالمام بمكونات حضارته والحضارات المختلفة والعجز عن التفاعل معها و النهل من منابع الثقافة المتعددة محليا وعالميا ..يضاف إلى ذلك الأُميّة العلمية وهى عدم قدرة الشخص على الحصول على مستوى تعليميّ والشهادات العلمية المختلفة. أما الأُميّة البيئيّة فهى جهل الشخص بكلّ ما يتعلق بالبيئة التى يعيش فيها وعدم قدرته على التفاعل معها والحافظ عليها.. وتأتى الامية الحضارية فى قمة الهرم وتعريفها عدم مقدرة الاشخاص المتعلمين على مواكبة معطيات العصر العلمية والتكنولوجية والفكرية والثقافية والفلسفية والايديولوجية والتفاعل معها بعقلية ديناميكية قادرة على فهم المتغيرات الجديدة وتوظيفها ابداعيا بما يحقق الانسجام والتلاؤم ما بين ذواتهم والعصر الذى ينتمون إليه.. وفى سياق التعريفات السابقة وما هو معلوم عن تراتبية الدول والأفراد طبقا لتراكمية المعلومات والقدرة على توظيفها بكفاءة، يظل السؤال مطروحا .. هل لا يزال الخطر الذى يتهددنا قاصرا على إحصائيات عدد أمى الحروف الهجائية وحملة الشهادات؟ وما السبيل لمحو أمية نقدم لها فى كل لحظة التحية دون أن ندرى ؟

وللحديث بقية
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف