المساء
نبيل فكرى
القطار 935!!
أعشق القطار لدرجة تؤرق أصحابي. الذين يلحون عليَّ للسفر بالسيارة. فلا أرضي بالقطار بديلاً. إذ تربطني به علاقة خاصة من أيام الدراسة في الجامعة. دفعتني في سنوات البراءة وكتابة الشعر. إلي كتابة قصيدة للقطار.. هذا الكائن الحديدي الذي يمضي بقلب من حديد. لا يدري أحوال من فيه. وكلما سافرت فيه. شعرت أن محمد عبدالوهاب. يجلس بجواري. يغني لـ"الوابور". مستحضراً أياماً لم أشاهدها. لكن المؤكد أنها كانت أفضل كثيراً من أيامنا تلك.
الخميس الماضي. قررت العودة من القاهرة إلي الإسكندرية بالقطار السريع "VIP" فلم يكن هناك سواه. وهو القطار 935. الذي يتحرك في العاشرة والنصف مساءً. ووجدتها فرصة لخوض تجربة جديدة. والوصول مبكراً غير عابئ بالمائة جنيه. ثمن التذكرة. فما سمعته عن مميزات هذا القطار. تشفع لأي شيء. والأهم الوصول في الموعد. فقد أخبرني موظف شباك التذاكر أنه يصل في الواحدة بعد منتصف الليل. وبحساب المسافة البالغة مائتي كيلو تقريباً. فإن القطار الخاص جداً. يقطع تقريباً ثمانين كيلو متراً في الساعة. ونحن نرضي بذلك ونقبله ونسعد به. فما حاجتنا إلي قطارات اليابان. التي وصلت في آخر صيحة لها إلي ستمائة كيلو متر في الساعة.. يعني نفس المسافة من القاهرة للإسكندرية في ثلث ساعة.. طبعاً الأمر في اليابان "تهريج".. إذا كان الواحد بيقضي في الأسانسير من طابق لطابق ثلث ساعة.
المهم.. جاء القطار. وانطلق علي بركة اللَّه. وهو نظيف إلي حد ما. لكنه أقل من قطارات أخري. أقل منه سعراً. وليس له نصيب من الـ"في آي بي" إلا السعر المغالي فيه. وواصل طريقه إلي الإسكندرية عازماً أن يقطع المسافة في الموعد. قبل أن يتوقف علي قرابة منها. ويطفئ الأنوار. وكأن غارة حدثت في الخارج. وشيئاً فشيئاً. تسللت إليه وجوه من "البلطجية". الذين لا ندري من أين جاءوا؟!.. لدرجة أنني خشيت علي نفسي. فاستأنست بمن حولي من الركاب. وبعد "سيدي جابر" اختفي معظم الركاب. ونام القطار في سُبات زاد علي نصف الساعة. قضيتها عن نفسي. في رعب وحنق وضجر. دون أن أدري سبباً لما حدث. ودون أن يمر علينا قطار فتحنا له الطريق. أو أعثر علي مسئول عن هذا القطار. يخبرنا لماذا هذا التأخير المبالغ فيه. والذي امتد إلي قرابة الثانية بعد منتصف الليل. ما دفع بعض الركاب للنزول والسير علي القضبان. بدلاً من الجلوس بلا جدوي!!
في دراسة بكوكب اليابان. نشرت في سبتمبر من العام 2015. كان متوسط تأخير القطارات في العام سبع ثوان فقط!!.. وهناك أيضاً إن تأخر القطار. يتم توزيع أوراق علي الركاب بزمن التأخير. لتقديمها إلي عملهم. فتأخر القطار يعتبر سبباً وجيهاً ومقبولاً للتأخير عن العمل. وإذا كنا لا نتطلع إطلاقاً أن نكون كاليابان "المستفزة". فإننا لا نريد أن نكون في "التوهان". وسكك حديد مصر. التي تباهي بأنها الثالثة عالمياً. والأولي في آسيا وأفريقيا.. أي أنها سبقت اليابان.. لا يمكن أن تواصل رحلتها بهذا التراجع. ولا يمكن أن نقضي كل عمرنا في الحديث عن "الفلنكات" و"السيمافور". وعلي وزيرالنقل أن يبدي رغبة حقيقية في التغيير. مهما كلفنا الأمر. لأن هذا العبث وقضاء الساعات علي الأرصفة في الانتظار لا يليق بشعب يريد أن يبرح مكانه. أو أن يعمل أو أن يتغير.
المسألة ليست في القطار. لكنه عنوان لما أصابنا جميعاً.. بالعكس.. القطار نفسه جاهز أكثر منا. للوصول في الموعد. لكن من يقومون عليه مزاجهم ليس علي ما يرام. أو لديهم ارتباطات خارج القطار. مثل ذلك السائق الذي "ركن" قطاره يوماً. ونزل لشراء علبة سجائر!!
** ما قبل الصباح:
* الإمارات تستعد لإطلاق قطار عام 2020 بسرعة 1200 كيلو في الساعة.. "أشتاتاً أشتوت".. يجعل كلامنا خفيف عليهم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف