اليوم السابع
جمال اسعد
زيارة «ترامب» والتغييرات القادمة فى المنطقة
فى مقال سابق بعنوان «زيارة السيسى وقضية القرن»، بعد زيارة «السيسى» لأمريكا، قلنا إن الزيارة رغم نجاحها، وما صاحبها من لقاءات، لم تسفر بشكل رسمى عن النتائج الفعلية المحققة من الزيارة، حيث إن «ترامب» وحتى الآن بعد وصوله للرئاسة لم ينفذ ولا يلتزم بأى عهد أو وعد قطعه على نفسه طوال حملته الانتخابية، لأنه من الواضح والمعروف أن أمريكا هى الدولة التى لا يستطيع أى رئيس أن يتجاهل تلك الاستراتيجيات الموضوعة، وتلك الأهداف المحددة، التى تهدف أساسًا إلى الصالح الأمريكى، ومن خلال تلك الاستراتيجية، ولذلك وبالرغم من الوعود بالمساعدة الاقتصادية والسياسية والعسكرية لمصر، قد وجدنا مجلس الشيوخ يستمع الى ثلاثة خبراء حول السياسة الأمريكية التى ستتبع مع مصر فى إطار المساعدات، ووجدنا تلك التقارير التى مازالت تردد المقولات التى يلوكها الإعلام الغربى حول حقوق الإنسان المهدرة فى مصر، واضطهاد الأقباط، الذى لا تملك الدولة حياله شيئًا، والاقتصاد المرتبك، والاستقرار الغائب، ناهيك عن تبخر كل الوعود حول أوروبا وروسيا والمنطقة العربية، ولكن لم يلتزم «ترامب» وحتى الآن بغير وعوده وعهوده لإسرائيل، فهو حتى الآن لا يعنيه حل المشكلة الفلسطينية عن طريق دولة أو دولتين، ولكن تعنيه الدولة اليهودية.. لا تعنيه المستوطنات، لكنه يطالب بالمزيد، وحتى الآن يصر على نقل السفارة الأمريكية للقدس، وعلى ذلك وجدنا «ترامب» يهندس حلًا للمشكلة الفلسطينية على مقاس المصلحة الأمريكية والإسرائيلية، خاصة بعد لقائه الثانى بـ«أبومازن» الأسبوع الماضى فى أمريكا، ووعده بهذا الحل.

وتمهيدًا لهذا الحل «الترامباوى»، شاهدنا مقابلاته مع ولى ولى عهد السعودية، وملك الأردن، ورئيس مصر، وإسرائيل، وفلسطين، هذا فى الوقت الذى أعلن فيه «ترامب» تشكيل حلف عسكرى مشترك أطلق عليه «الناتو العربى»، ليعمل تحت المظلة الأمريكية، بهدف مواجهة تنامى النفوذ الإيرانى، وتهديداته تجاه الخليج وتل أبيب، ويحمى كذلك المصالح الأمريكية الأخرى فى المنطقة، فإذا كانت إسرائيل ضمن هذا الحلف، فهل يمكن إقامة هذا التحالف دون تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل؟، وهل يمكن أن يتم تطبيع العلاقات قبل حل المشكلة الفلسطينية التى هى قضية العرب المركزية؟. وبالرغم من السير قُدمًا فى تشكيل هذا الحلف العسكرى بمقابلات «ترامب» لدول هذا الحلف، وهى السعودية التى تنوب عن دول الخليج، ومصر والأردن وإسرائيل، تؤكد تحقيق هذا الهدف، خاصة أن زيارة وزير الدفاع الأمريكى للمنطقة، حيث زار السعودية ومصر وإسرائيل، هى إعداد وتأكيد لإعلان هذا الحلف، والأهم هنا زيارة «ترامب» المقبلة إلى السعودية، حيث سبقتها تصريحات لـ«ترامب» لابد من الوقوف أمامها، قال فيها «إن السعودية هى الجامع لأقدس المواقع فى الإسلام، وهناك سنبدأ فى بناء أساس جديد من التعامل والدعم مع حلفائنا المسلمين لمكافحة الإرهاب والتطرف والعنف، والعمل على مستقبل أكثر تفاؤلًا للشباب المسلمين فى بلادهم»، كما قال: «سأستخدم هذه الرحلة فى بناء التعاون بين المسلمين والمسيحيين واليهود لمحاربة الإرهاب»، ذلك لأنه سيزور السعودية وإسرائيل وبعدها بابا روما، فهل كل تلك اللقاءات، وكل ذلك الحراك السياسى لا يعنى المصلحة الأمريكية والإسرائيلية فى المقام الأول؟، خاصة أننا لابد أن نوصف ونطرح الواقع العربى المتدهور والمفكك، مقابل الواقع الإسرائيلى المسنود والمساند من أمريكا وغيرها.

لذا فإن هذا الحل لم ولن يكون فى إطار الحد الممكن، حيث إن المبادرة العربية التى أطلقها الملك عبدالله فى لبنان عام 2002 دعت إلى قبول دولة فلسطينية على حدود 67 مقابل السلام، مع حل مشكلة الحدود واللاجئين والمياه، والآن نتكلم على دولة ستكون تابعة لدولة يهودية دينية فى ظل إقامة مستوطنات بلا نهاية، مع غياب أى حديث عن حدود أو لاجئين أو غيره، كما أن هذا الواقع الذى سيفرض دمج إسرائيل فى محيطها العربى قد وصلت بوادره إلى حركة «حماس»، وظهر هذا فى تلك الوثيقة التى أعلن من خلالها حقيقة الموقف الفلسطينى، ليس المنقسم بين «حماس» و«منظمة التحرير»، ولكن خضوع «حماس» ذاتها التى تدّعى أنها ستظل حركة مقاومة لتحقيق دولة فلسطين من النهر إلى البحر، فالوثيقة قالت إنها تفصم العلاقة مع «الإخوان»، وإن «حماس» تقبل دولة فلسطين على حدود 67، وأن الصراع مع إسرائيل سياسى، وليس دينيًا، مع العلم أن تلك التنازلات لا تخرج عما جاء فى معاهدة أوسلو 1993. ومن الواضح أن هذه الوثيقة، وإبعاد خالد مشعل عن «حماس»، هى رسالة تم إعدادها مسبقًا، حتى تلحق «حماس» بالركب القادم، وحتى لا يكون «أبومازن» وحده فى الصورة. أما لماذا خص «ترامب» السعودية بأنها ستكون المركز لباقى دول الأطراف؟، فذلك لا يخفى على أحد، حيث إن «ترامب» قد أعلن مرارًا أن أمريكا لن تقدم شيئاً من دون مقابل، فى إطار شعار «أمريكا أولًا»، أما الشىء فهو مساعدة السعودية فى تلك المواجهة الطائفية مع إيران لتأجيج الصراع الطائفى بأيدى العرب والمسلمين، وبإشراف أمريكى، خاصة أن «الناتو العسكرى» المزمع إعلانه لن يكون فى مواجهة الإرهاب فقط، حيث إن إيران فى نظر الطرف الخليجى والأمريكى والإسرائيلى هى دولة إرهابية، أما المقابل فهو تلك الاستثمارات التى أعلنها محمد بن سلمان خلال زيارته لأمريكا، التى أعلن فيها استثمارات سعودية فى أمريكا ستصل إلى مائتى مليار دولار، إضافة إلى صفقات الأسلحة التى يدور حولها الحوار الآن، والتى ستصل إلى مليارات الدولارات.

هنا أين دور مصر؟، وما دورها فى هذا الناتو العسكرى؟، فدورها ليس مواجهة الإرهاب فحسب، فمصر تنوب عن العالم فى هذه المواجهة، ولكن ما سيكون فى مواجهة إيران، حيث إن مصر لا تقبل ولا توافق على أى مواجهة تزيد وتصعد من المواجهة الطائفية فى المنطقة؟، وما دور مصر فى الحل المقبل المزمع للقضية الفلسطينية، حيث إن دور مصر معروف تاريخيًا بحجم التضحيات البشرية والمادية والمواقف السياسية تجاه فلسطين.. الأمور معقدة ومتداخلة، زيارة «ترامب» ستحمل الكثير من المفاجآت، فالمنطقة على وشك تغيرات دراماتيكية، فهل نعلم ذلك؟، وهل عملنا حساباتنا لمواجهة ذلك وتأمين وتأكيد دور مصر التاريخى الذى لم ولن يستطيع أحد إسقاطه مهما كانت المصاعب.. حفظ الله مصر وشعبها العظيم.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف