الوفد
مصطفى عبيد
ويومئذٍ يفرح المصريون
فرح المصريون بتولى دونالد ترامب مقاليد الحُكم فى أمريكا، رغم أن المسافة بين البلدين تتجاوز 6 آلاف ميل، وعشر ساعات، ورغم اختلاف العادات والتقاليد والثقافات. لا ترامب يتحدث اللغة العربية ولم يقل أحد إن أصوله شرقية، لكن فرح الناس كان مدفوعاً بكراهية الديمقراطيين والإدارة السابقة لأوباما بسبب مواقفها من مصر ودعمها للإخوان.
وفى حقيقة الأمر فإن ترامب وإدارته ليسوا سوى ترس واحد من تروس الولايات المتحدة، لأن هناك مؤسسات أخرى لها نفوذ وقوة، ولديه قدرة على التأثير فى العلاقات مع الدول. وما جرى مؤخراً فى جلسة لجنة المساعدات بمجلس الشيوخ الأمريكى برئاسة ليندسى جراهام يؤكد ذلك، فالديمقراطيون ما زالوا قادرين على ممارسة الضغط وطرح التساؤلات والانتقاد فيما يخص المساعدات العسكرية المقدمة إلى مصر، وهم يمارسون دور المعارضة لترامب من خلال الطريق المضاد لسياساته.
واللعبة واضحة، ولا تعنى سوى أن علاقات الدول لا تبنى على الحُب أو الكراهية. ليس هناك استلطاف أو نفور فى السياسة وإنما هناك مصالح ومنافع. كما أنه ليس هناك أعداء أبديون مثلما لا يوجد أصدقاء أبديون، وهو ما يدفعنا أن نفكر فى مصالح مصر ونُعيد ترتيب علاقتنا بأمريكا وعلاقاتنا بكافة الدول على أساس المصلحة.
ومصالح مصر فى أمريكا عديدة وتتجاوز كثيراً قضية المساعدات، وهو ما فطن له من قبل الرئيس الراحل أنور السادات عندما قال إن 99% من اللعبة السياسية فى أيدى الأمريكيين. وأتصور أن أمريكا تقدم المساعدات العسكرية لمصر، لأنها تكسب من ذلك، فالتعاون الأمنى والاستراتيجى بين البلدين يتيح لها توفير نفقات طائلة، ربما أقلها توفير الوقود عندما تعبر حاملات الطائرات الأمريكية عبر قناة السويس فى يسر. إن أحد التقديرات الحديثة يشير إلى أن الحاملة الواحدة توفر 20 مليون دولار كل يوم من خلال مرورها بقناة السويس وفق التيسيرات المصرية، وهو ما يعنى أن إجمالى الوفر الناتج عن ذلك فى العام قد يعادل أو يزيد على إجمالى المعونة العسكرية البالغة 1.3 مليار دولار.
وبخلاف ذلك فإن أمريكا لا يمكن أن تعمل على أى قضية فى الشرق الأوسط دون الشراكة مع مصر، فقانون الجُغرافيا يرسم لمصر دوراً عبقرياً فى التفاعل والتأثير اللامحدود على الدائرتين العربية والأفريقية. كذلك فإنه لا تسوية للقضية الفلسطينية بعيداً عن مصر، ولا انتصار على جماعات الإرهاب دون مصر.
من هُنا يُمكن إدارة العلاقة بين مصر وأمريكا، ومن الضرورى والمُلح أن يكون لدينا خارطة طريق لجنى الأرباح واغتنام الفرص. إن السياسة فى نظرى هى فن المُمكن، ولعبة المُتاح. وفى تصورى فإن العداء الدائم خطيئة وضعف، وأن اللجوء للحرب وحدها لا يحل قضية ولا يحسم أمراً، وأن بيانات الشجب وخطابات التهديد لا تُحقق نصراً.
عقود وراء عقود ونحن مرضى وهْم الدول التى تكرهنا، وأجيال بعد أخرى ونحن نعتقد أن هناك مؤامرات ليل نهار لسحقنا وتركيعنا، ولم نفكر أبداً فى لعبة المصالح. وأعتقد أنه آن الأوان أن نفعل، ويومها، فإن من حق المصريين أن يفرحوا.
والله أعلم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف