الأهرام
هشام النجار
ترامب وأسس التسوية المطلوبة للقضية الفلسطينية
الرئيس الأمريكى ترامب الذى رفض طلب إسرائيل أن تكون زيارته المرتقبة للشرق الأوسط متزامنة مع الذكرى الخمسين لهزيمة يونيو 1967م يحمل مشروعًا لحل المعضلة المزمنة، وبعكس السائد فالإسرائيليون يخشون الزيارة من زاوية إنعاش مسار تدويل قضية التسوية.

رغم انشغال العالم بالصراعات والحروب فى سوريا والعراق واليمن وليبيا تظل القضية الفلسطينية هى جوهر أزمات الشرق الأوسط وهى الداء والدواء، ووضع حل شامل وعادل لها من خلال جهد دولى موسع ومنصف ودءوب خطوة مفصلية فى تصويب الحرب على التطرف والإرهاب فى المنطقة. وطالما ظلت القضية الفلسطينية معلقة دون تسوية، وطالما استمرت الاستفزازات والانتهاكات والمراوغات الإسرائيلية، سيظل العالم غير آمن ولا تستثنى أوروبا والولايات المتحدة.

مأساة الفلسطينيين وقضية الاحتلال أحد روافد جماعات الإسلام السياسى المهمة منذ نشأتها إلى اليوم، فالتجنيد يتم عبر رواية عدم مقدرة الأنظمة العربية القائمة على استخلاص الحقوق واسترداد الأرض ووقف الانتهاكات، ومن ثم تروج الأيديولوجية الأصولية كمنقذ بديل وكمخلص للشعوب المسلمة من حالة الذل والهوان، ووظف تلك الرواية جميع قادة ومنظرى الإسلام السياسى دون استثناء، بل ظلت هى الأقوى تأثيرًا وجاذبية على الإطلاق.

إذن أدرك العالم ولو متأخرًا أن حل القضية الفلسطينية هو سبيله لتجفيف منابع الإرهاب، ودونالد ترامب رغم محمولات خطابه المقلقة، ووعوده المبكرة المنحازة للرؤية الإسرائيلية يجد نفسه أمام فرصة تاريخية ليصبح راعى الحل الذى انتظره العالم لعقود طويلة ويحتاجه الآن أكثر من أى وقت مضي، لأن إسرائيل ببساطة ستجد فى تراجع أقوى داعمى رؤاها المتشددة ومواقفها المتصلبة، سواء ما يتعلق بالاستيطان أو بالقدس أو بالدولة الواحدة ويهوديتها، أنها أمام أمر واقع، فمن أين ستأتى بمن هو أوفى لها من ترامب ليثبت على وعوده ويمتلك الإصرار على تنفيذها؟ مع الوضع فى الاعتبار جملة المواقف الدولية، سواء المحسوبة على دول أو منظمات معتبرة الداعمة للحقوق الفلسطينية، وآخرها قرار مجلس الأمن رقم 2334 عام 2016 الذى يدين الاستيطان ويحرم إسرائيل من الأرض التى احتلتها عام 1967م، ومؤتمر باريس فى يناير 2017م الذى شاركت فيه سبعون دولة وخمس منظمات دولية هى الأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحادان الأوروبى والإفريقى ومنظمة التعاون الإسلامي.

ليس العرب أو الفلسطينيون وحدهم بل العالم كله الآن يعانى ولذلك تلجأ القوى المتداخلة وصاحبة المصالح لإبرام التسويات والصفقات، ووحدها ستكون التسوية الإسرائيلية الفلسطينية إذا وضعت على بداية طريقها الصحيح مع زيارة ترامب داعمة للتسويات التى تجرى تحت رعايات دولية وإقليمية فى سوريا واليمن وليبيا، فالقضية الفلسطينية مازالت تحظى بموقع المركز رغم شواغل النظام العربى المريرة على امتداد جغرافيته، ومتى انفكت عقدة المركز فهذا ردف لباقى الملفات بأسباب المنعة واسترجاع المواقع أمام الاستقواء والانتهاك والتوغل الإقليمى غير العربى بالداخل العربى من قبل تركيا وإيران وإسرائيل، وخلاصته العامة استرداد الدولة الوطنية العربية وبعث مفهوم السيادة والمؤسسية.

مؤتمر باريس يناير 2017م وهو آخر فعالية دولية بعد مفاوضات 2014م الفاشلة وقبيل تنصيب الرئيس ترامب، تحتاج مقرراته وتوصياته لبعض التعديلات، وأيضًا لوضع آليات للتنفيذ عبر إشراف ورعاية دولية وعربية، من خلال سياسات إجرائية تضمن تطبيق بنوده، مع العلم بأن إسرائيل اعتمدت طوال السنوات الماضية لتضييع حقوق الفلسطينيين، وتخريب جهود التوصل لحلول على الانفراد بالفلسطينيين والحيلولة دون تدخل أطراف دولية، وإن تدخلت تحرص على ألا تتابع وتراقب سير المفاوضات فلا تلزم بتنفيذ تعهدات بعينها فى مدى زمنى محدد.

إذن هناك شبه توافق عام يشمل دول أوروبا والدول العربية وحتى حركة حماس عبر وثيقتها الأخيرة حول إنهاء الاحتلال الإسرائيلى القائم منذ 1967م، بما يعنى الاعتراف بحدود دولة فلسطين وعاصمتها القدس.

وربما يصلح البيان الختامى لمؤتمر باريس كأساس للبناء عليه فى سبيل التوصل لتسوية شاملة ونهائية، فقد ذهب إلى أن حل الدولتين هو الطريق الوحيد لتحقيق السلام الدائم وأكد أهمية أن يعيد الطرفان التزامهما لأخذ خطوات عاجلة من أجل عكس الواقع السلبى على الأرض بما فى ذلك استمرار أعمال العنف والنشاط الاستيطانى للبدء بمفاوضات مباشرة وهادفة، مع ضرورة أن يلبى مبدأ حل الدولتين طموحات الطرفين بما فيها حق الفلسطينيين بالدولة والسيادة وإنهاء الاحتلال وتلبية احتياجات إسرائيل للأمن وحل جميع قضايا الحل النهائى على أساس قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967م وقرار 338 للعام 1973م وقرارات مجلس الأمن الأخرى ذات الصلة ومبادرة السلام العربية لعام 2002 كإطار شامل لحل الصراع العربى الإسرائيلي.

مع دعم الخطوات الفلسطينية لممارسة مسؤوليات الدولة من خلال تعزيز قدراتها المؤسسية وتقديم حوافز سياسية واقتصادية ومشاركة أوسع فى الاستثمار فى القطاع الخاص ودعم المزيد من الجهود من قبل الأطراف لتحسين التعاون الاقتصادى والاستمرار بالدعم المالى للسلطة الفلسطينية لبناء البنية التحتية لاقتصاد فلسطينى قابل للحياة، وتعزيز الحوار بين الأطراف، وإعادة إحياء الرأى العام، وتعزيز دور المجتمع المدنى لدى الجانبين، وهو ما يحقق الأمن والاستقرار والازدهار للطرفين.. الخ.

الإسرائيليون رفضوا رسميًا المؤتمر وشنوا هجومًا على منظميه لتحفيز واشنطن لتتدخل هى لصالح إسرائيل من خلال صيغة أكثر انحيازًا لها، والوضع الآن مختلف فهى لم تنجح فى صرف الاهتمام الدولى بفلسطين، وفشلت فى جعل زيارة ترامب مجرد حضور احتفالى فى ذكرى انتصارها على العرب، وما يجرى بالمنطقة من إسراع نحو التسويات بعد أن استنزفت وأنهكت مختلف القوى يضع من يعوق التوصل لتسويات متوازنة ومن يدعمه فى شبه عزلة دولية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف