الأهرام
محمد صابرين
السؤال الحائر: من يصنع «صورة مصر»؟
السؤال حائر إلا أنه محير فى الوقت نفسه:من يصنع «صورةمصر»؟! ولعل سر الحيرة أن لدى مصر من «الأوراق المهمة» القادرة على صناعة «صورة رائعة» عن المحروسة إلا أن الصورة الجديدة «لمصر عادة» «مؤقتة» وفى كثير من الأحيان لا يتم البناء عليها. فقد خلق مؤتمر الاستثمار فى شرم الشيخ «نقطة جاذبة»، ولكن الحكومة المصرية لم تكمل..كما أن الأمر ذاته تكرر مع مجيء ليونيل ميسى إلى القاهرة للترويج لقدرة مصر فى علاج فيروس سى ولكن تكفل أحد خبراء الآثار باثارة الغبار!! وأخيرا فان زيارة بابا الفاتيكان البابا فرانسيس لمصر خلقت نوعا من «الأضواء الإيجابية» على جهود مصر فى التسامح الديني، إلا أننا فرحنا كثيرا وتبادلنا التهاني، ولم ندرك ـ كالعادة ـ أن العمل الأصعب يأتى فى اليوم التالي. ودائما وأبدا ما يقودنا إلى ذات السؤال المراوغ: من يصنع صورة مصر؟!

وبالرغم من التهديدات الإرهابية إلا أنها توفر فرصة لمصر لتقدم نموذجا فى التلاحم والتعايش، ووسط هذه المآسى الإرهابية فأن العالم يبحث عن «ضوء أمل» وللأسف فان من التقط الخيط كان صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» التى نشرت مؤخرا افتتاحية بهذا المعني، فقد كتبت الصحيفة تحت عنوان مقال مصر عن حسن النوايا أشارت فيه إلى أن مصر تقدم نموذجا على حسن النوايا بين أصحاب الأديان المختلفة. وتناولت الصحيفة الأمريكية الشهيرة تجربة مصر، وقالت إن أفضل شيء لحماية التعايش بين المسلمين والمسيحيين فى مصر يأتى من الزعيمين الدينيين الأكبر وهما الإمام الأكبر أحمد الطيب والبابا تواضروس الثاني، وأشارت إلى أنهما أطلقا «بيت العائلة المصرية» لإصلاح التعاليم الدينية عن الآخرين، واختتمت الصحيفة مقالها الافتتاحى بالقول «إن بقية الشرق الأوسط فى حاجة إلى نماذج مماثلة للانسجام الدينى بين أفراد المجتمع المصري، لأنها تشكل سلاحا ناعما وقويا ضد الكراهية والعنف التى تبثها التنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة».

وأحسب أن زيارة البابا فرانسيس كانت ناجحة بكل المقاييس، ويكفى أن وسائل الإعلام الدولية كافة اهتمت بها، وأبرزتها بصورة مكثفة. ويبدو مما سبق أن مصر تملك بالفعل «سياسة مختلفة» يعمل عليها بصبر الرئيس عبدالفتاح السيسى سواء فيما يتعلق بتجديد الخطاب الديني، أو المواجهة الشاملة للإرهاب، أو رعاية فائقة للتعايش والانسجام الدينى فى مصر.. وهنا فان السيسى بوصفه رمز الدولة وقائدها يقدم الضمانة الأكيدة لعملية التعايش والانسجام، كما يحرص دائما على ضمان الأمن للمسيحيين والمسلمين على حد السواء، ولا يمكن فى هذا المجال ألا تأكيد دور المؤسسة الوطنية الكبرى «المؤسسة العسكرية المصرية» فى حماية مصر وأهلها من خطر الإرهاب.إلا أن هذه الجهود المختلفة بحاجة لمن «يبنى عليها»، ويقيم جسورا من التواصل مع الإعلام الخارجى والمجتمعات الأجنبية. وعند هذه النقطة لن نختلف كثيرا بشأن وضع الإعلام، والأخطر غياب الإعلام الخارجي، وبلهجة مجاملة قال لنا نارت بوران الرئيس التنفيذى لسكاى نيوز عربية «لا توجد قناة دولية قادرة على منافسة الإعلام المصرى فى بلده، وإذا ما أكملنا أو شرحنا الجملة فأن الرجل يقول «لديكم إعلام محلي»

وعندما يتم محاصرة بوران «هل ترقى القنوات الإخبارية المصرية للمنافسة الدولية» فان الرجل يقول «المنافسة متاحة. ولكن للأمانة لم أر أيا من المؤسسات وضعت خطة للمنافسة مع سكاى نيوز عربية أو غيرها» وأحسب أن الإجابة واضحة، إلا أن الرجل يعود ليخفف من قسوة الواقع عندما يتم سؤاله هل يفعل ذلك أن صوت الإعلام المصرى لا يصل لخارجه؟! فقد راوغ بوران ليقول «إن المنافسة لم تعد بالقنوات التليفزيونية فقط، فهناك منافسة أخرى عن طريق المواقع الإخبارية الإلكترونية. وهى فى مصر متميزة ومنافس قوى للمواقع الدولية، ولكنها تفتقد إلى مخاطبة العالم بلغته لزيادة التأثير؟! وأحسب أن المشكلة هى أننا نخاطب أنفسنا، ولم نتعب بعد من «جلد الذات» والشكوى من أن الآخرين لا يقدرون ما نقوم به، أو ما لدينا من أشياء رائعة ـ وهى متعددة بالمناسبة ـ إلا أننا بالإضافة إلى ذلك لا ندرك أن أرض المعركة هى فى الخارج، وأن عملية «من يصنع صورة مصر» هى صناعة وجوهر القوة الناعمة المصرية، كما أنها باتت الآن أحد أهم تحديات الأمن القومى المصري. لقد باتت الأسلحة متنوعة فى أيدى الدول وهى تخوض معاركها «بالقوة الناعمة»، وأبرزها الإعلام والسينما والدراما والأفلام الوثائقية.

وبالإضافة إلى ذلك فقد منحنا العلم الآن »الإعلام الجديد« ووسائل التواصل الاجتماعي، ويكفى هنا الإشارة إلى الفيلم الاسترالى «سير كمصري»، وهذا الفيلم الموجود على اليوتيوب قام به رجل استرالى وخطيبته وأصدقائه كانوا فى سياحة لمصر، ولقد أحدث ضجة كبري، وتجاوزت المشاهدات أكثر من نصف مليون مشاهدة. وهو هنا للأمانة أكثر تأثيرا، واثارة للإعجاب من معظم جهود وزارة السياحة. وسبق أن تناولنا هنا أهمية «السياحة», وأشرنا هنا إلى ضرورة العمل على السوق الصيني، واجتذاب 5 ملايين سائح صيني. إلا أن الجهد يأتى من جانب 300 شركة سياحة مصرية تذهب إلى مؤتمر سياحى لدعم السياحة المصرية فى السوق الصينية، وهم هنا يبذلون جهدا تحت عنوان «حملة المليون سائح صينى لزيارة مصر».

ويبقى أن المسألة أكبر من أن تترك دون العودة اليها مرات ومرات، وأحسب أن الرئيس السيسى بحاجة إلى «وحدة القوة الناعمة المصرية» وهذه الوحدة يجب أن تتشكل بأسرع ما يمكن، وألا يتجاوز أفرادها 7 أشخاص، وتعمل على وضع التصورات والإستراتيجيات لصناعة صورة مصر. وهذا المطلوب ملكية مصرية لهذه الصناعة، أما التنفيذ فيتم الاستعانة بجميع الأدوات المحلية والأجنبية، ولكن نقطة البداية هى فى التركيز بشدة وبقوة على «التواصل مع الخارج» والتحرك على ثلاثة محاور: إبراز «تفرد التجربة المصري» فى الانسجام والتعايش الديني، وجهود الرئيس والمؤسسة الدينية المصرية فى محاربة التطرف وتجديد الخطاب الديني.. والنقطة الثانية: التواصل مع الأعلام الخارجى بقوة مثلما تفعل السعودية ودبى وماليزيا.. وآخر نموذج برنامج «صنع فى ماليزيا» على قناة سي. إن. إن، والنقطة الثالثة: إبراز مصر كمنطقة واعدة بالاستثمار وجادة فى الانفتاح على العالم، ولعل مشروع القرن هو منطقة قناة السويس.. وهذه مجرد نقاط إلا أن الأمر أكبر وأعمق، وينبغى تفعيل كل العقول المصرية، وتنسيق الجهود، وليس تفجير الخلافات بين 5 وزارات مثلما فعل غياب التنسيق حول «قانون الاستثمار» الجديد. وأحسب أن ذلك الخلاف وتنازع الاختصاصات هو آخر ما تحتاجه جهوده لصنع «صورة مصر» المستقرة الجاهزة للتعاون مع الآخرين وليس صورة «مصر العاجزة عن تنسيق الوزراء فيما بينهم»؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف