المصريون
د. ابراهيم التركاوى
إبراهيم التركاوي
مع ضغط الحياة وهموم العيش ، ومع انهماك الإنسان واستغراقه في متطلباته الخاصة ، وتطلعاته المادية – التي أصبحت لا حد لها ولا سقف – ينسي الإنسان نفسه وما لها عليه من حق التعليم والتزكية بصالح الأعمال ، والتحلية بمكارم الأخلاق .


إنّ الإنسان في ظل العولمة والمادية الطاغية ، - إلا مَن رحم الله - يحرص علي أن يربح كل شيء ، وقلما يأبه أويخطر له ببال أنْ يربح نفسه التي بين جنبيه ..!


وماذا يفيد الإنسان لو ربح الناس والدنيا جميعا وخسر نفسه ؟!


[ إن الرابح الحقيقي هو الذي ربح نفسه ولو خسر الدنيا والناس جميعا ، وإن الخاسر الحقيقي هو الذي خسر نفسه ولو ربح الناس والدنيا جميعا ]!


".. قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ " (الزمر: 15).


إنّ الإنسان في معركة الحياة قد يشتبك مع كل أعدائه من كل جانب، وينسي أنّ ألدّ أعدائه ، هي نفسه التي بين جنبيه ، وأنّها إنْ لم تُلجم بلجام التقوي تقتل صاحبها ، وتورده موارد الهلاك ..


" فَأَمَّا مَن طَغَى *وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا *فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى*وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى" (النازعات: 37-41).


ولذا اهتم الإسلام أيّما اهتمام بتزكية النفس وجعلها من أهم مهامّ الأنبياء والمرسلين ..


"هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ " (الجمعة: 2).


كما جعل الإسلام سعادة الإنسان في كلتا حياتيه – الدنيا والآخرة – موقوفة علي مدي تأديبه لنفسه وتزكيتها، وأن شقاءه في كلتا حياتيه – الدنيا والآخرة - موقوف علي مدي إهماله لنفسه وتدسيتها


".. وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا *فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا " (الشمس :7- 10).


لقد حرص الإسلام علي أن تكون حياة المسلم كلها لله ، وأن تصبغ بأمر الله ونهيه ، حتي تنصهر النفس في بوتقة الإيمان ، وتزكو وتسمو بانقيادها لوحي الرحمن ..


" قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " (الأنعام : 162) .. "فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا" (النساء:65 )


وذاك سر تعهد النّبيّ – صلي الله عليه وسلم – لصحابته الكرام وحثهم علي الجمع بين أعمال البر- ما أمكن - في يوم واحد ..


جاء في الحديث ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه :أَنَا. قَالَ:«فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه :أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه :أَنَا. قَالَ:«فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه :أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّة" (أخرجه مسلم).


في ظل هذه التعاليم الربانية ، والإرشادات النبوية ، تزكو النفوس وتنصلح أحوالها ، ويسلس إلي الإيمان والطاعة قيادها ..


وإذا زكت النفوس ، وطهرت القلوب ، انعكس ذلك علي المجتمعات طهرا وصلاحا ، وتقدما وفلاحا ..


أما الذين يصيحون – ليل نهار – ويريدون الإسلام إسلاما بلا نصوص ، والحياة حياة بلا وحي ، إنما يريدون - في الحقيقة – للضمائر خرابا ، وللنفوس انحلالا ، وللمجتمعات فسادا ، وللإصلاح والتقدم سرابا ..!


وصدق الله العلي العظيم : " وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا " (النساء: 27).


----------
(*) باحث أكاديمي وكاتب
في الفكر الإسلامي
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف