الأخبار
أحمد طه النقر
متي تعترف مصر بـإبادة الأرمن ؟
سيدفع الإسلام والمسلمون طويلاً ثمن التاريخ الأسود للإمبراطورية العثمانية وحروب الإبادة وجرائم التطهير العرقي التي ارتكبتها في حق الشعوب التي غزتها.. ولا يحتاج المصريون بالذات إلي دليل لإثبات تلك الحقيقة لأنهم من أكثر الشعوب التي دفعت من أرواح أبنائها وثرواتهم وكنوزهم الحضارية ما لا يمكن تقديره أو حصره في سبيل نهضة وازدهار دار الخلافة.. ويمكننا القول بضمير مستريح إن النهضة الثقافية والمعمارية التي شهدتها »الآستانة»‬ كانت خَصماً مباشراً وقسرياً من رصيد القاهرة التي هَجَرَ المحتلون الأتراك الآلاف من أمهر مبدعيها وصناعها وحرفييها ليؤسسوا كل أو معظم ما يفتخر به الأتراك المحدثون من معالم العمارة والفنون.. ولم يكتفِ الغزاة العثمانيون بكل ذلك التجريف الفاجر، بل كَرسوا ثقافة القتل والدم واستدعوا من التاريخ القديم ونشروا أبشع طريقة للقتل البطيء وهي »‬الخوزقة» حيث يتم إدخال الخازوق من فتحة الشَرَج ليخرج من الكتف الأيمن دون أن يمر بالأجزاء الحيوية من جسد الضحية حتي تتعذب طويلاً ولا تموت سريعاً!!.. ومَن يريد معرفة مدي هول ما ارتكبه العثمانيون من فظائع في حق الشعوب التي احتلوها وخاصة في البلقان، عليه بقراءة رواية »‬جسر علي نهر درينا» للأديب البوسني إيفو أندريتش التي فازت بجائزة نوبل للآداب وعبر فيها بعبقرية عن قسوة ودموية الشخصية التركية. والمؤكد أن هذه الرواية وغيرها من الأعمال الإبداعية كانت أحد الأسباب الجوهرية وراء كراهية أوربا والغرب عموماً للإسلام والمسلمين، إذ ربطت الثقافة الغربية بصورة متعسفة بين العثمانيين وتاريخهم الأسود وبين الإسلام.. بل انسحبت تلك الكراهية علي العرب.. ويظهر ذلك بجلاء في أدب أمريكا اللاتينية حيث هناك ربط لا يقل ظلماً وتعسفاً بين الأتراك والعرب إذ تعني كلمة »‬تركي» العربي أو المسلم.. وهي لفظة تعني أيضا الكثير من الصفات السلبية مثل البلطجة واللصوصية !!.. وهكذا دفع العرب والمسلمون وسيدفعون كثيراً وطويلاً للأسف الشديد ثمن »‬لعنة» ارتباطهم بالأتراك والمتاجرة بالدين وفكرة الخلافة!!.. ولم تنجُ حتي المدينة المنورة من جرائم الأتراك.. ففي عام 1915 هاجمت حملة بقيادة فخري باشا مدينة الرسول وهَجَّرَت سكانها قسراً إلي بلاد الشام والعراق ثم نهبت الكنوز النبوية ونقلتها إلي تركيا!!..
غير أن جرائم العثمانيين ضد الأقليات المسيحية في تركيا وخاصة الأرمن هي أم الجرائم بلا منازع.. فقد شن الجيش التركي حرب إبادة شنيعة ضد الجالية الأرمنية وقتل منهم ما يتراوح بين مليون ونصف المليون خلال وبعد الحرب العالمية الأولي.. وشملت الجرائم عمليات القتل المتعمد والممنهج والترحيل القسري لسكان المناطق الأرمنية بعد تدمير ديارهم وكنائسهم.. وتمت عمليات الترحيل في »‬مسيرات موت» طويلة وقاتلة عبر الصحراء المترامية إلي الحدود السورية والعراقية.. واختار الأرمن الرابع والعشرين من أبريل كل عام لإحياء ذكري »‬المجازر» ومواصلة الضغط علي تركيا لكي تعترف بارتكاب إبادة جماعية ضد أجدادهم وتعتذر عنها.. كما يسعي الأرمن للحصول علي اعتراف المزيد من الدول بأن جرائم الحرب التي ارتُكبت ضدهم وأكدتها الأمم المتحدة هي »‬إبادة جماعية».. وأعتقد أنه آن الأوان لاعتراف مصر بهذه الإبادة ليس رداً علي عداء ومؤامرات وغطرسة إردوغان، ولكن دفاعاً عن الحق في الحياة وعن المصريين الأرمن الذين أكدوا علي الدوام حبهم وإخلاصهم لهذا الوطن وساهموا بحماس في صنع حضارته..
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف