فيتو
محمد سيد أحمد
ماذا يعني تكرار العدوان الصهيوني على سوريا ؟!
لقد بدأت الحرب الكونية على سوريا العربية قبل ست سنوات تحت زعم أنها ثورة شعبية على غرار الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين، وبالطبع من يدرك ويعي الواقع الاجتماعى العربي بتفاصيله المختلفة لا يمكن أن يجمل الحديث عن هذه الأقطار مجتمعة، فلكل مجتمع خصوصيته البنائية والتاريخية، وهو ما يجعل المتأمل في الحالة الثورية العربية يقف كثيرًا قبل محاولة إطلاق تعميمات على هذه الأقطار مجتمعة.

وبغض النظر عن موقفنا مما حدث وتوصيفنا له، وهل بالفعل ما حدث داخل بنية هذه المجتمعات يرقى إلى مستوى الثورة أم لا، فإننا يمكن أن نؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الثورات لا يحكم عليها إلا بنتائجها، وإذا كان تعريفنا للثورة هو إحداث تغيير جذري في بنية المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية لصالح الغالبية العظمى من المواطنين، فإن النتائج التي أفضت إليها الثورة في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا تؤكد فشل هذه الثورات حتى ولو كانت هناك أسباب موضوعية لانطلاقها تختلف باختلاف كل قطر.

ولا يمكن لكل متأمل فطن أن يغفل دور القوى الاستعمارية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في التدخل السريع على خط ما يسمى "الثورات العربية" في الأقطار المختلفة لتحقيق أكبر استفادة ممكنة وبالطبع هذه الاستفادة لا يمكن أن تكون لصالح شعوب هذه المجتمعات لكن دائمًا تكون لصالح هذه القوى الاستعمارية وحلفائها في المنطقة، وفى مقدمة هؤلاء الحلفاء يأتي العدو الصهيونى الذي يمكننا الآن التأكيد دون أدنى شك أنه المستفيد الأول من وراء كل ما حدث داخل مجتمعاتنا العربية عبر الست سنوات الماضية.

لقد تراجعت وبشكل حاسم مفاهيم ظلت قائمة ومتصدرة المشهد السياسي المحلى والإقليمي والدولى لسنوات وعقود طويلة من قبيل الصراع العربي – الصهيونى، حيث أصبح الواقع يقول إن الصراع قد أصبح بمثابة "عربي – عربي"، وأصبح العدو الصهيونى خارج حلبة الصراع، وتراجعت القضية الفلسطينية بقوة مقابل تصدر الأزمة السورية واليمنية والليبية للمشهد العربي بشكل ملحوظ.

ولا يمكن لأحد الآن أن ينكر دور الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الصهيونى في دعم النزاعات الداخلية لاستمرار عدم الاستقرار داخل المجتمعات العربية خاصة في مصر وسوريا، فمن المعلوم تاريخيًا ومنذ إعلان العدو عن دولته المزعومة أنهم يسعون إلى تصفية الجيوش العربية، حيث أكد بن جوريون قائدهم المؤسس أن إسرائيل لا يمكن أن تعيش آمنة إلا بالقضاء على ثلاثة جيوش عربية "المصرى والعراقى والسورى"، وإذا كان الجيش المصري قد تم تحيده ( مؤقتا بعد اتفاقية كامب ديفيد ) باعتباره الأكبر والأقوى تمهيدًا لانقضاض عليه في وقت لاحق، فإن الأمريكى قد تدخل بنفسه مباشرة لتخليص العدو الصهيونى من الجيش العراقى وتمت العملية بنجاح بعد الغزو الأمريكى للعراق في 2003.

وعندما برزت على السطح بوادر ما يطلق عليها الثورات العربية كانت الجماعات التكفيرية الإرهابية تلك الأدوات الاستعمارية المزروعة داخل مجتمعاتنا العربية جاهزة لخوض معركة شرسة مع الجيشين المصري والسورى، وكانت دائما الحماية الأمريكية والسلاح الأمريكى جاهزا هذا إلى جانب التمويل الخليجي الذي يحلم بأن يحل محل المصري والعراقى والسورى كمتصدر وقائد للمشهد العربي.

وبنجاح الجيش المصري في الإطاحة بالجماعات التكفيرية الإرهابية من سدة الحكم والتي استولت عليه في لحظة فارقة من عمر المؤامرة على مصر، كان لابد على العدو الصهيونى أن يبحث عن وسيلة جديدة لاستنزاف الجيش المصري حتى لا يكون على استعداد لمواجهته في أي لحظة، وبما أن كامب ديفيد مازالت قائمة فإن أي تدخل صهيونى مباشر سيكون غير ممكنًا، لذلك تم دعم الجماعات التكفيرية الإرهابية على جبهات مصر الحدودية (الجبهة الشرقية مع فلسطين المحتلة والجبهة الغربية مع ليبيا المغدورة والجبهة الجنوبية مع السودان المنحورة)، وبذلك يؤجل العدو الصهيونى مواجهته المباشرة القادمة لا محالة مع الجيش المصرى.

أما سوريا فموقفها مختلف إلى حد كبير فهى الدولة العربية الوحيدة التي عجز العدو الصهيونى من النفاذ إليها عبر البوابة السياسية فلم يتمكن العدو من تحييد جيشها ولو مؤقتًا، ولم يتمكن الأمريكى من جعلها دولة تابعة له اقتصاديا أو عسكريا أو حتى ثقافيا، لذلك ظلت هي العقبة الحقيقية في وجه المشروع الصهيونى، لذلك عندما برزت موجة ما أطلق عليه الثورات العربية تم تغذية الجماعات التكفيرية الإرهابية الكامنة بالداخل وأرسل إليها المدد مزيدًا من التكفيريين الإرهابيين من كل أجناس الأرض، وبصلابة وبسالة وشجاعة الجيش العربي السورى تمكن من التصدى لها، وكلما شعر الأمريكى والصهيونى أن أدواته الوكيلة على الأرض تهزم يجن جنونها.

لذلك لا عجب عندما نجد اعتداءً أمريكيًا غاشمًا من فترة لأخرى على الأراضى العربية السورية، ولا عجب بالقطع أن تتكرر الاعتداءات الصهيونية على المواقع العسكرية للجيش العربي السورى فهو المستهدف الأول من هذه الحرب الكونية على سورية، لذلك يجب أن ندرك ونعى أن العدوان الصهيونى على سورية لن يتوقف بل هو بداية لمواجهة مباشرة مع الجيش العربي السورى المنهك من طول المعركة مع الأدوات التكفيرية الإرهابية، وبعدها يتفرغ العدو الصهيونى لمعركته الأخيرة مع الجيش المصرى، وهنا وإن كنا لا نعول كثيرًا على الموقف العربي المخزى من العدوان الصهيونى على سوريا، فإننا لا يمكن أن نقبل الصمت المصرى لأن المعركة مشتركة ومن بدأ بسوريا حتمًا سيثني بمصر، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف