الوطن
محمود الكردوسى
«وطن 30 يونيو»
صدرت «الوطن» أواخر أبريل عام 2012، أى بعد أقل من عام ونصف العام على فاجعة «25 يناير». كانت فترة سيولة سياسية وخراب اقتصادى وانفلات اجتماعى وانحطاط ثقافى، أفضى بعد شهرين تقريباً من صدور الجريدة إلى احتلال عصابة الإخوان مقاليد حكم مصر. دخلت غالبية وسائل الإعلام خلال تلك الفترة فى مرحلة نفاق لقوى وشعارات ما بعد 25 يناير، وانقلب كثير من الإعلاميين على نظام الرئيس مبارك، على الرغم من أن لحم أكتافهم من خيره. فى هذا المناخ المضطرب، المعبأ بأدخنة حرائق 25 يناير، صدرت «الوطن»، ولا بد أن اختيار الاسم لم يكن عشوائياً، وقد لا يكون مقصوداً. لكن المؤكد أن العقل الباطن لمؤسسى الجريدة كان قد بدأ يتسلل إليه خوف وقلق من تداعيات ما يجرى، خاصة مخاطر صعود التيار الإسلامى.

صدرت «الوطن» على أكتاف نخبة منتقاة من كوادر جريدة «المصرى اليوم»، التى كانت أحد أشرس المنابر الإعلامية تحريضاً على نظام الرئيس مبارك. لكن السياق الموضوعى كان قد تبدّل. لم يعد هناك مبارك، لكن نظامه لم يمت. أشعل المصريون جذوة فى 25 يناير، لكن أصحاب اللحى والكروش خطفوها، ولم يطرح أحد بديلاً للنظام الذى توهموا أنهم أسقطوه. غامت الرؤى، واختلط الحابل بالنابل، واشتدت حدة الاستقطاب، وتخبطت وسائل الإعلام، لكن «الوطن» حاولت أن تولد واقفة على قدمين، وأن تقف فى المربع الآمن.. مربع «المهنية». تدريجياً، ومع ظهور بشائر حكم عصابة الإخوان، اندفعت «الوطن» - بمالكها المهندس محمد الأمين، وبكتيبة صحفييها وكتّابها - نحو المربع الأكثر أماناً.. مربع «الحفاظ على الدولة الوطنية». فى الوقت الذى كان فيه الجميع (ملاكاً وصحفيين) يخطبون ود عصابة الإخوان أو يلتزمون الصمت.. لم تستطع «الوطن» صبراً على مهادنة هذه العصابة. ومع تزايد الشعور العام بمخاطر وجودها فى الحكم، تحولت الجريدة إلى منصة عداء وتحريض ضد الإخوان. وانحياز سافر ومعلَن لرغبة الشارع المصرى الجارفة فى استعادة الدولة من براثن هذه العصابة. ثم خطت «الوطن» خطوة أوسع وأوضح، لتصبح إحدى أهم ورش التحضير لثورة 30 يونيو، ليس فقط على صعيد المحتوى المهنى والتوجه السياسى، بل أيضاً على صعيد احتضان القوى المؤججة والداعية إلى هذه الثورة، وعلى رأسها «حركة تمرد».

من هذا المربع تحديداً.. بدأ ارتباطى المهنى والسياسى و«الروحى» بجريدة «الوطن». انفجرت كراهيتى لـ«25 يناير» وكل من ينتمى إليها فى سلسلة مقالات حادة، كان الدافع الأساسى فى كتابتها بهذه الحدة والشراسة هو خوفى على الدولة المصرية، وقلقى عليها من مصير جيرانها وأشقائها. ولم يردعنى إرهاب الإخوان وقوائمهم الإعلامية عن مهاجمتهم والتحريض عليهم والمطالبة بإبادتهم إن أمكن. وفى المقابل.. لم أترك فرصة تمر من دون إعلان تأييدى وإجلالى للمؤسسة العسكرية المصرية، لهيبتها ومكانتها وجدارتها كحاضنة لأبطال وقادة عظام، هم وحدهم (وهذه قناعة أصيلة) أصحاب الحق فى حكم مصر. ومن هذه الزاوية أحببت «عبدالفتاح السيسى»: وزيراً للدفاع، أطاح بالخائن محمد مرسى وعصابته، وابناً حقيقياً لمؤسسته، ورئيساً أثق فى إخلاصه واجتهاده ووطنيته.. ولو كره الينايرجية والثورجية وكل خصوم الحكم العسكرى.

الحق أن لـ«الوطن» فضلاً كبيراً فى بلورة ونضج موقفى السياسى، هذا الموقف الذى اتكأ على حقيقة لا تقبل نقاشاً أو مراوغة، هى أننا نحن الاثنين؛ أنا والجريدة - صوت «30 يونيو» الواضح، والجسور.

لا يفوتنى قبل ذلك وبعده الوقوف قليلاً عند الرجل الذى حمل أمانة «الوطن» وأنفق عليه بسخاء من حر ماله: المهندس محمد الأمين. هذا الرجل ليس مجرد «ممول»، بل كان، ولا يزال، أكثر القائمين على أمر «الوطن - الجريدة» عطاءً وإيماناً بـ«الوطن - البلد». ولولا شجاعته وحسه الوطنى ورجاحة عقله لما كان لهذه الجريدة أن تستمر وتحافظ على احترامها لمهنيتها وقارئها.. وشعارها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف