هاوي كتابة
حسن زايد
أنـا وصــديـقـي وتــرامــب
قال لي صديقي وهو يحاورني : " ما قولك في الرئيس ترامب الآن ، بعد تصديقه علي قانون الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ، وأنت كنت ممن تفاءلوا بقدومه للرئاسة ؟ " . قلت : " كنت قد تفاءلت بقدومه للرئاسة للتخلص من كابوس إدارة أوباما ، الذي جثم علي صدر المنطقة بمخطط تقسيمها إلي أشلاء ، وإسقاط قادتها قتلاً ، أو هرباً ، أو تنحية ، أو حصاراً ، وإحلال أمراء الدم محلهم ، ودفع الأمراء إلي التناحر فيما بينهم ، لإحالة الأشلاء إلي فتات ، يسهل قضمها، ومضغها ، وابتلاعها دون عناء " . واستطردت في إجابتي قائلاً :" وليس معني التخلص من الكابوس هنا تخلصاً نهائياً قاطعاً ، فأنا أفهم أنها استراتيجية دولة ، وليست تكتيكات رؤساء . وإنما تخلصاً مؤقتاً ، بقدر المرحلة الإنتقالية ، تسمح بالتقاط الأنفاس ، واستعادة الوعي ، وأخذ زمام المبادرة في لملمة ما تبعثر وتشتت من فتات ، وقد كان في قدوم إدارة ترامب ما يحقق ذلك " . ألقي صديقي سؤاله في وجهي إلقاءًا : " وما دليلك علي انها استراتيجة دولة ، وليست تكتيكات رؤساء " . أجبته قائلاً : " الدليل علي ذلك ، أن هذا القانون قد أقر من الكونجرس الأمريكي ، في النصف الثاني ، من العقد الأخير ، من القرن الماضي ، وقد تناوب علي وجوده من الرؤساء : بيل كلينتون ، وجورج بوش الإبن ، وباراك أوباما ، قبل مجيء ترامب . وقد كانت هناك مقدمة له ، تمثلت في إقرار الكنيست الإسرائيلي لقانون يقضي بضم القدس الشرقية إلي القدس الغربية ، واعتبارهما معاً عاصمة موحدة أبدية لدولة إسرائيل ، عام 1980 م ، إلا أن المجتمع الدولي في حينه أبي قبول هذا الوضع . وليس مصادفة أن يأتي تاريخ اعتماد وإقرار القانون بعد مائة عام من وعد بلفور ، وليس قبل أو بعد هذا التاريخ ، وأن يتواكب هذا مع ثمار مخطط الربيع العربي ، الذي وضع مشروعه ، وجري اعتماده في الكونجرس أيضاً ، عام 1982م ، وبدأ تنفيذه علي الأرض من 2011م ، وترك الأرض العربية قاعاً صفصفاً ، لا تسمع فيها إلا أصوات الإنفجارات ، ولا تشم فيها إلا روائح البارود والدخان والدم " . سكت هنيهة لالتقاط الأنفاس ، فاستحثني صديقي علي مواصلة الإجابة عن تساؤله ، في شقه الثاني ، فاستطردت قائلاً : " يضاف إلي الشق الأول من الإجابة ، الشق الثاني منها ، والمتعلق بالقول في ترامب الآن ، أي بعد تصديقه علي قرار الإعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل . وفي هذا الشق نقول بأن السمات الشخصية لترامب لا تؤهله لقيادة دولة بحجم أمريكا ، وليس معني نجاحة في مجال الأعمال والتجارة ، أن ينجح في مجال السياسة ، وإدارة الدول ، خاصة إذا كانت دولة تلعب دور شرطي العالم ، والقطب الوحيد له . فهو شخصية نرجسية مفرطة الإعجاب بذاتها ، ويري في نفسه التميز والتفرد المطلق ، من منطلق الأهمية والعظمة ، ولا يحب إلا نفسه . ولديه إحساس بالقدرة علي فعل كل شيء ، وأي شيء ، دون أن يعبأ بالظروف المحيطة ، ويحتاج إلي المدح والتمجيد ، رغم عدم اكتراثه بمشاعر الآخرين ، واحتياجاتهم . إنه ذات منتفخة ، وعظمة زائفة ، وشخصية هشة . كما أنه شخصية هيسترية تميل بإلحاح إلي الإستعراض ، وجذب الإهتمام ، والأضواء . فضلاً عن كونه شخصية سيكوباتية تميل إلي الإنتهازية ، والعنصرية ، والفاشية ، وعدم احترام القواعد والأعراف ، والقيم والأخلاق ، ويسعي إلي النيل من الآخرين وتحقيرهم ، علي نحو نزوي اندفاعي متهور " . أخذت نفساً عميقاً ، بعدما شعرت بالإختناق والإرهاق ، فنهرني صديقي بقوله : " أكمل " . فقلت له بصوت متقطع علي رسلك يا رجل ، استرد أنفاسي فقط ، فإذا به يستحثني بإلحاح علي استكمال الحديث ، فاستطردت مرغماً : " بالقطع هناك عوامل متعلقة بالداخل الأمريكي دفعته دفعاً إلي اتخاذ هذا القرار ، وتتمثل في تدني شعبيته إلي أدني مستوياتها ، بما لا يتيح له التحرك السياسي المريح ، فسعي إلي مغازلة هذا الداخل ، بخدمته للوبي الصهيوني ، الذي يسيطر علي الميديا الأمريكية والغربية ، بما تتيحه من إمكانية تغيير الدفة من توجه إلي آخر . ومغازلة المسيحيين البروتستانت ـ الذين يمثلون الأغلبية الدينية الأمريكية ـ الذين يعتقدون بنزول المسيح بعد اكتمال بناء هيكل سليمان ، وإعادة مملكة داود ، عليهما السلام ، ويتفقون في ذلك مع المعتقد اليهودي " . رشفت رشفة من كوب الشاي الذي وضعه أمامي ، واستأنفت الحوار قائلاً : " كما أن هناك عوامل أخري متعلقة بالعالم الخارجي ، وهي الشعور بالقوة في مواجهة العالم بدوله وتنظيماته وقراراته وتوصياته ، وقد حكمه تصور أن هذا التصرف هو التعبير الآني المتاح عن هذه القوة ، لوتم استبعاد المواجهة مع الدولة الكورية ، فقراره هنا يمثل رسالة إلي العالم . وإحساسه بأن العرب والمسلمين جثة هامدة ، لا حراك فيها ، ولا اكتراث بها ، وهم مجموعة من الهمج لا حقوق لهم ، ويسهل التخلص من عوائهم ونباحهم ، بجعلهم تحت سيطرة حكامهم ، وجعل ردود أفعالهم الإنفعالية منضبطة وفقاً للإيقاع المطلوب ، ثم سرعان ما تذوب فقاقيعهم الإنفعالية وتنتهي ، وتصبح هي والعدم سواء " . قرأت ملامح الإنزعاج علي وجه صديقي ، وهو يسألني ذلك السؤال القلق : " ثم ماذا بعد بعد تصرف ليس بعده بعد ؟ " فربت علي كتفه وأنا أهم بالإنصراف قائلا : " لا تبتئس . فقد تعرت أمريكا ، ووقفت عارية تحت الشمس ، علي الأقل أمام العرب ، وتلك أولي خطوات الخلاص ، فقد وقعت مع توقيعها علي القرار ، علي شهادة وفاة الربيع العربي ، وكذا جماعات التطرف والإرهاب ، التي لم تتناد علي القدس كما تنادت علي أوطانها " . حــســـــن زايـــــــــد
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف