هاوي كتابة
حمادة جمال ناجي
الآثار الثقافية المسيحية في مصر العثمانية
الآثار الثقافية المسيحية في مصر العثمانية ساهم الأقباط في مصر العثمانية (1517-1798م) في العديد من المجالات سواء كانت سياسية أو إدارية أو اجتماعية أو ثقافية ، لذا اشتهرت بعض الشخصيات القبطية وبرز أسمائها في الحياة المصرية العامة آنذاك ، ومن أشهر هذه الشخصيات (المعلم رزق) الذي كان يعمل كاتباً للجمارك ثم رقاه الوالي علي بك الكبير(1727-1773م) ناظراً علي دار الدرب وسك العملة عقب توليه حكم مصر عام(1769م) ، وذكره عبد الرحمن الجبرتي في كتابه عجائب الآثار في التراجم والأخبار بقوله " كاتبه القبطي المعلم رزق بلغ في أيامه من العظمة ما لم يبلغه قبطي " ، كما ظهر (المعلم إبراهيم الجوهري) رئيس الكتبة الأقباط في مصر في عهد علي بك الكبير وذكره أيضاً الجبرتي في كتابه عجائب قائلاً :" ومات الذمي المعلم إبراهيم الجوهري ، رئيس الكتبة الأقباط بمصر ، وأدرك في هذه الدولة من العظمة ونفاذ الكلمة ، وعظم الصيت والشهرة مع طول المدة بمصر ما لم يسبق لمثله من أبناء جنسه فيما نعلم ، وأول ظهوره من أيام المعلم رزق كاتب علي بيك الكبير .. وعمرت في أيامه الكنائس وديور النصارى وأوقف عليها الأوقاف الجليلة والأطيان ، ورتب لها المرتبات العظيمة والأرزاق الدارة والغلال " . أما عن الدور الثقافي للأقباط في مصر العثمانية فقد تركوا الكثير من الآثار الثقافية والمعمارية التي تميزها عن أي عصر آخر . فمن (الناحية الثقافية) شاركوا في نسخ الكتب المسيحية القبطية علي يد متخصصين عرفوا باسم (أراخنة الأقباط) ، كما قاموا بترجمة بعض المخطوطات الأثيوبية والسريانية وخاصة في القرن الثامن عشر الميلادي الذي شهد تطوراً كبيراً في الحياة الثقافية المصرية آنذاك ، ومن (الناحية المعمارية) أنشأ الأقباط في مصر الكثير من الأديرة والكنائس وزخرفوها برسومات تصويرية ، الأمر الذي لاحظه علماء الحملة الفرنسية (1798 - 1801م) وسجلوه في كتاب وصف مصر بـقولهم " وللأقباط منشآت دينية بالغة الروعة كما نري في كثير من الكنائس والأديرة ، كما أنشأوا في مصر العليا علي وجه الخصوص كنائس رائعة .. " ، وفي هذا الإطار يقدم لنا الرحالة الألماني جوفني ميكيله فنسليب (G.M.Vanslebio) - الذي زار مصر عام 1671 م - صورة واضحة عن حياة الأقباط في مصر في العصر العثماني وعن كنائسهم وكيفية زخرفتها بالعديد من الرسومات التصويرية قائلاً " والأقباط لا يحتفظون بتماثيل في كنائسهم ، بل برسومات فقط .. ويؤمنون إيماناً شديداً أن الله يمنح نعماً غزيرةً بواسطة هذه الصور ؛ ولذلك في ضيقاتهم يلجأون إليها . وهناك في مصر القديمة في دير القديس جرجس صورة لهذا القديس ، وقد رأيتها بنفسي .. وهناك إكرام خاص لصورة المقدسة التي يشعلون أمامها باستمرار عدداً كبيراً من القناديل ، ويزينونها بالأزهار ... " . كما تحدث "فنسليب" عن رسومات استخدمها الأقباط في كنائسهم ليس كنوع من الزخرفة والتزيين فحسب ، بل لتسجيل حياة الكثير من الأشخاص الدينية مثل القديسين ورجال الدين ، ومع تطور الفن الزخرفي القبطي تطور معه ما عرف باسم (الأيقونات) التي تبلور دورها في البداية لتعليم العامة والبسطاء من الأقباط بطريقة عملية تتناسب مع تفكيرهم وعقلياتهم ، وهذا ما يفسر الدور التعليمي الذي لعبته الأيقونات في الحياة الكنسية ، وفي تبسيط الكثير من الأمور الدينية عند الأقباط ، علي أن هذه الأيقونات قد استخدمت بعض الألوان البسيطة الجامعة للتعبير عن مضمون الصورة سواء لتصور أحداث العهد القديم أو أحداث العهد الحديث ، وذلك مع تفسير الكثير من مفاهيم وتعاليم الإنجيل ، ولكن علي الرغم من تأثر مضمون هذه الأيقونات ببعض المؤثرات الخارجية - مثل ما نقله المُصور والفنان يوحنا الأرمني إلي الفن القبطي آنذاك - إلا أنها احتفظت بالكثير من الملامح والمظاهر الثقافية للأقباط في مصر في ذلك الوقت. وفي النهاية يمكننا القول أن التراث الثقافي والفني للأقباط في مصر العثمانية قد كان له معالمه الخاصة وآثاره الواضحة التي اختلفت اختلافاً كثيراً عن أي فترة أخري ، كما أن هذا التراث قد أحتفظ بملامحه الخاصة لمدة طويلة من الزمان ، ولم يتأثر بأية مؤثرات غربية إلا مع النصف الأول من القرن الثامن عشر ، وخاصة مع الضعف الذي أصاب الإمبراطورية العثمانية .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف