هاوي كتابة
عمرو سليم
من ينفض التراب عن سلاح مصر " المجهول " فى مواجهة التغلغل الإسرائيلي في قلب القارة السمراء ؟
أول معهد بحثي متخصص فى الشئون الأفريقية بمصر .. أعرق مؤسسة أكاديمية للشأن الأفريقي على مستوي العالم .. 50 من أكفأ وأمهر الباحثين فى مختلف مجالات الشئون الأفريقية .. لؤلؤة علمية تتوهج بمئات الكنوز العلمية من بحوث ورسائل ماجستير ودكتوراة متخصصة فى الشأن الافريقي .. ما نتحدث عنه ليس خيال بل هو صرح عملاق موجود منذ أكثر من 70 عام بجمهورية مصر العربية ، إنه معهد الدراسات و البحوث الأفريقية بجامعة القاهرة . فما أتحدث عنه في السطور التالية ليس كشاهد فقط على عظمة و رقي ذلك الصرح العلمي العملاق ولكني سأقصه عليكم كطالب قضيت به عامان دراسيان فى ذلك الصرح العملي المميز بكوادره العظيمة ، الذى أستطيع ان اقول بكل ثقة ومسئولية انه لو تم توجيه الاهتمام الكافي للمعهد من قبل الدولة و مؤسساتها و أجهزتها المختلفة لاستطاع ان ينافس أعرق المراكز البحثية و المؤسسات العلمية العالمية بكل سهولة ويسر. فبالرغم من الإمكانيات البشرية الهائلة التى يمتلكها المعهد من أكفأ و أمهر , أنشط أعضاء هيئة تدريس قد رايتهم بمصر ، ولكن للاسف فالمعهد يكاد ان يخرج من نظاق اهتمام الدولة و رعايتها ، فى الوقت الذى تحتاج فيه مؤسستنا العلمية العريقة لأهتمام ليس من الدولة فقط .. بل من كل مواطن مصري يعرف قيمة القارة الأفريقية ومدي أهمية التواجد المصري و ما يشكله من قضية مصيرية لمصر خلال الفترة الحالية و المقبلة. فأشهد شخصيا ان أسرة المعهد – واقصد مفهوم الأسرة بالمعنى المعروف – تختلف كثيراً عن العديد من المؤسسات الأكاديمية فى مصر ، فاعضاء تلك الأسرة هم فعلا أخوة واخوات وبمثابة أولياء امور للدراسين بالمعهد .. فأهم ما يميز المعهد و يجعلنى أثق انه سيحقق النجاح المتواصل و المستمر رغم ما يعانيه من عدام اهتمام بالشكل المفترض ان يكون عليه من قبل الدولة .. ولكن ذلك لم يؤثر فى العلاقة بين الدارسين وأسرة التدريس بالمعهد ، فهي علاقة مميزة تقوم على الاحترام المتبادل و الدفع بكل قوة للنجاح و انكار الذات فى سبيل دفع الدارسين للأمام بكل قوة ، فالجميع يعمل كعائلة احدة فى سبيل تحقيق هدف واحد وهو الارتقاء بالشان الأفريقي بمصر - الذى اكاد أجزم ان العديد من مدرسي المعهد قد تناسى حياته وافنى عمره فى سبيل تحقيق ذلك الهدف – وتخريج باحثين يمتلكون قدرة معرفية واسعة ليكونوا منارة مضيئة للوطن ن يصل ضوئها لكافة ربوع القارة الأفريقية ، وليكون بمثابة صورة مشرفة لمصر أمام الاشقاء بالقارة السمراء. فكما قلت ان الجميع بمعهد الدراسات الأفريقية يفني عمره و يقدم حياته للمعهد بكل رضاء و سرور من اجل تحقيق هدف اسمي واعرق من الانجازات الشخصية ، فى ظل إمكانيات مادية و تقنية لن استطيع الا ان اقول عليها انها تعرض أسرة المعهد و الدراسين للمشقة و العناء الشديد ، فهل يصدق أحد اننا فى العصر الذى يقاس فيه تقدم الدول وقوتها بمدي الاهتمام وتجهيز المؤسسات البحثية ، و توفير سبل الراحة لباحثيها ليتمكنوا من الابتكار و الابداع ، الا اننا نجد هنا ان بعض من أسرة هيئة التدريس يشترون على نفقتهم الشخصية بعض الأدوات المكتبية اللازمة فى أداء مهامهم ، فضلا عن تصوير بعض الأورق من مالهم الخاص و كذلك احضار أجهزة حاسبتهم الآلية الشخصية لعدم توافر الأدوات اللازمة لاستكمال عملهم اليومي ، ولن ابالغ اذا قلت ان احد اعضاء الأسرة بالمعهد عرض على الدارسين شراء الكتب و المراجع الاجنبية لهم من خلال الانترنت أو مساعدتهم فى اقتناء تلك الكتب من خلال شرائها على نفقته من الخارج ، و التى يكون الدراسين فى أمس الحاجة إليها ولكن للأسف فالبعض تمنعه ظروفه المادية من اقتنائها. كل ما سبق ليس الا جانب صغير من معاناة يومية يواجهها من قرر انكار ذاته فى سبيل خدمة الوطن .. ولكن المثير اكثر من ذلك انه من يصدق ان تكون مكافأة عضو هيئة التدريس المشرف على رسائل الماجستير و الدكتوراه مبلغ ( مائتان جنيه مصري فقط ) .. نعم انها كذلك ولم نخطىء فى الرقم ..فمجهود وتعب سنوات فى سبيل الإشراف على رسالة واحدة يكون مقابلها ذلك المبلغ الذى لن نستطيع ان نصفه مكافأة بقدر ما هى مأساة توضح لنا مدي الحال الى وصل إليه العلم فى وطننا الغالي . فبالرغم من من الرواتب المتدنية ، و المكافأت الهزيلة ، و المزايا التى تكاد تكون منعدمة ، وفضلا عن تجاهل الدولة لتقديم التقدير النفسي و الدعم الكافي لأسرة المعهد خاصة و اعضاء هيئات التدريس بجامعات ومركز مصر البحثية بصفة عامة ، الا انهم يقاومون بكل قوة تلك الظروف التى قد لا يقبلها البعض ، فيمكن للعديد منهم السفر للعمل بالخارج او الذهاب لاحدى الجامعات الخاصة التى هى بالتأكيد ستوفر لهم الوراتب و المزايا المجزية التى يجري خلفها اى شخص قى ذلك الزمن المعكوس حاله ، الا ان كتيبة المعهد فضلت الوقوف فى الصفوف الأمامية على جبهة القتال ومقاومة الاهمال و اللامبالاة بالمزيد من الصبر و التعاون و الاصرار على النجاح. ولم تقف المعاناة عند ذلك الحد ، بل ان القاعات الدراسية تحتاج لتطويرواهتمام بها ، وتوفير أجهزة كمبيوتر و لوحة حديثة للشرح ، و مكتبة المعهد يلزمها العديد من الكتب و المراجع الأجنبية و المحلية فضلا عن ضرورة الاهتمام بادخال نظم التعليم الحديثة الإلكترونية مثل " Simulation " اى المحاكاة و ما يلزمها من توافر قاعات مجهزة بتكنولوجا حديثة و أجهزة سمعية ومرئية و لوحة عرض أفلام وثائقية لإمكانية عرض الافلام الوثائقية الحديثة لتسهل للدراسين العديد من الأمور ، فتلك الأساسيات لم تعد تمثل رفاهية للدراسين و أعضاء هيئة التدريس .. بل أصبحت من الضروريات التي يجب توافرها بمركز بحثي هو الأوحد و الأول من نوعه بمصر. أحزنني كثيراً الحال الذى وصل اليه حال البحث العملي و العلم فى مصر ، فالمشهد الذى وقف فيه أحد الفنانين الحاصل على " ثانوية عامة " ، وهو يتفاخر بقصره الفاخر ، وسياراته الباهظة الثمن ، وليظهر مطرب بدرجة راقص ليعلن انه فعل بطربه الرخيص ما لم يحقق الكثير غيره ، ليكمل ذلك المشهد صورة للعديد من أصحاب العلم و الشهادات العريقة الذين لا يستطيعون تغير موديل سياراتهم ، أو حتى الظهور فى وسائل الإعلام لينالوا تقديرهم العلمي و المعنوي الذي يستحقونه ، ليظهر بدلا من ذلك أنصاف العقول ليتحدثوا بكل جرأة و فخر عن أنجازاتهم المهولة ، فماذا افاد هؤلاء الوطن أو قدموا له سوي مزيد من الهبوط الذى يكاد يغرقنا للقاع ؟!!! . الرئيس عبد الفتاح السيسي .. ما أتناوله هنا ليس قضية عابرة ولكنها رمز للمعنى الحقيقي " للأمن القومي " ، فبعيداً عن برامج التوك شو و الكلمات الرنانة التى لا تعرف المعني الحقيقي للأمن القومي الذى يبدأ من العقول ، والتى تعتبر السلاح الحقيقي لاى دولة الذى يصنع و ينتج و ينشىء جيل قادر على تحقيق التنمية و تطوير الوطن بسلاح العلم. فالأمن القومي لمصر فعلا فى خطر أكثر من اى وقت مضى ، فها هو رئيس الوزراء الإسرائيلي " بنيامين نتنياهو " قد قام مؤخرا بزيارة لعدد من دول القارة الأفريقية مصطحبا معه عدد من مستشاريه الأمنيين و رجال اعمال وخبراء الاقتصاد و السياسة و الصناعة و خبراء نفسيين - فى خطوة خطيرة تعكس العديد من الأشياء الهامة - ، لينتهز الفرصة ايضا و يشارك في قمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إكواس)، ويعلن للجميع انه استغل هذا الحدث لترميم العلاقات الإسرائيلية الأفريقية ، وقام بالفعل بتوقيع عشرات الاتفاقيات مع عدة دول أفريقية فى المجالات الاقتصاية و الثقافية و الزراعية و الأمنية وصفقات السلاح و، فضلا عن وعوده لدول القارة بأدخال أحدث سبل التكنولوجيا لدول القارة . ولم يكتفي التغلغل الإسرائيلي بذلك فمنذ شهور قليلة أعلن " نتيناهو" انه يعقد سلسلة من الاجتماعات بصفة شبه دورية مع السفراء الأفارقة بتل ابيب من اجل التأثير على الكتلة التصويتية اللأفريقية بالأمم المتحدة لصالح إسرائيل. ولم يقف الامر عند ذلك ، ففى شهر يناير الماضي ، نشرت صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية" الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى " الفيسبوك"، صورة تضمنت تصنيفًا للدول الأكثر ابتكارًا فى العالم ، وعلقت الصفحة التابعة للخارجية الإسرائيلية باللغة العربية على الصورة بسخرية قائلة: "إسرائيل دولة صغيرة تعدادها أقل من سكان حى شبرا في القاهرة، لكن حباها الله بالعقول والطموح" لتوضح الصفحة حصولل إسرائيل على المركز الثاني على مستوي العالم فى الابتكار. سيادة الرئيس أمننا القومي الحقيقى فعلا فى " خطر داهم " فأزمة سد النهضة التى تؤرق مصر حاليا ، كان بالامكان تجنبها منذ سنوات مضت لو تم اعطاء الاهتمام الكافي للقارة الأفريقية و المراكز البحثية بمصر التى لها المقدرة على التعامل مع تلك الأمور بصورة علمية ، وتقديم أنسب التوصيات و السبل للتعامل مع ذلك النوع من الأزمات الذى يحتاج لمتخصصين لمعالجته. ولكنى أعتقد ان الوقت لم يمر بعد وهناك بصيص من الامل يطل علينا من نافذة ذلك الصرح العلمي العملاق الذى ينفرد بكونه الوحيد القادر و المؤهل للتعامل مع ما يخص الشأن الافريقي بمصر. فالسلاح الذى تحتاجه مصر الان أكثر من اى وقت ، هو الاهتمام بالكفاءات العلمية و البحث العلمي الذى للأسف بدأ العديد من كوادره بالهرب للخارج بحثا عن اهتمام و فرص أفضل . فتوجيه الدعم من جانبكم و توجيهكم لمؤسسات الدولة بالاهتمام و الاستفادة من خبرات و بحوث المعهد يمكن ان يغير الكثير من الصورة الحالية و الأكثرمن ذلك انه سيضرب " أقوي مثل " على اهتمام الدولة الحقيقي بالعقول و البحث العملي و الكفاءات العلمية ليوقف نزيف هروب الكفاءات للخارج و يخرج العديد من اصحاب العقول من حالة اللامبالاة و الاحباط التى وصل اليها البعض مؤخرا ، فضلا على انه رسالة قوية للخارج على ان الاهتمام المصري بأفريقيا لم ولن يقف عند خط محدد بل ان مراكزنا البحثية تسعي لتطوير ذلك الاهتمام و الارتقاء به. انتظر وأثق إننى سأجد صدي منكم ليعطى امل جديد لامكانية سطوع شعاع آمل حقيقي يرجع لمصر لريادتها الاقليمية و العالمية فى عالم لا يعترف سوي بالكفاءة العلمية و العقول القادرة على الابتكار و الابداع و التطوير . يشار الى ان معهد البحوث والدراسات الأفريقية قد نشأ عام 1947م، وكان يطلق عليه معهد الدراسات السودانية، حيث كان يتبع كلية الآداب جامعة القاهرة. وكان حين ذاك يضم قسمين فقط هما التاريخ والجغرافيا، وكانت مدة الدراسة فيه عامين دراسيين ، ثم أصبح معهداً مستقلاً تابعاً للجامعة مباشرة عام 1950م، تحت أسم معهد الدراسات الأفريقية، وفي عام 1970م، صدر قرار جمهوري بإنشاء معهداً مستقلاً للبحوث والدراسات الأفريقية وعندها تم إضافة أقسام جديدة حيث تم إنشاء أربعة أقسام هي قسم النظم السياسية والاقتصادية، قسم الأنثروبولوجيا، قسم اللغات الأفريقية، قسم الموارد الطبيعية، ليكون الأول و الأوحد فى تخصصه العلمي بجمهورية مصر العربية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف