هاوي كتابة
د . محمد السيد علي
انصر أخاك ظالما أو مظلوما
انصر أخاك ظالما أو مظلوما. د محمد السيد علي انصر أخاك ظالما أو مظلوما ذلك المبدأ الذي كان سائدا في الجاهلية وجاء التشريع الشريف وهذبه، وإن كان قد استخدم نفس عبارته إيماء منه إلى أن لم يأت لهدم الأوضاع وأنه لم يأت إلا لإصلاحها. حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تعجب الناس فقالوا يا رسول الله كيف يكون ذلك نعلم أنه يسوغ في الشرع نصرة الأخ مظلوما أما نصرته ظالما فكيف؟ حينها أزال الحبيب تعجبهم فبين لهم الوضع الجديد والتأصيل الإلهي لمبدأ نصرة الأخ الظالم فقال: تكفه عن ظلمه. وكفه عن ظلمه يعني أنك تقف موقفا محوريا تتخلى فيه عن كل إعانة له، ولو بالوقوف بجواره ليشعر بدعمك، ولو بمسارَّته وقت ظلمه، ولو بشطر كلمة تقولها فتقع في نفسه موقع الرضا، كل ذلك في عداد الإعانة التي خالفت صراحا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لكف الظالم عن ظلمه، وقال صلى الله عليه وسلم إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذاب، وهذا الحديث مؤكد لمعنى الحديث الضعيف من أعان ظالما سلطه الله عليه وهو نوع من العذاب. ومثل هذا الجزء لقيه المصريون في فترة من فترات تاريخهم حينما سكتوا عن جور فرعون وطغيانه وكفره بموسى عليه السلام. ذلك النبي الذي جاء بالبراهين الساطعة على صدقه ونبوته فما كان من فرعون إلا أن كفر بها {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ[الزخرف: 51 - 53] فماذا كان رد المصريين على هذه الدعوى؟ لقد أطاعوه وأذعنوا لباطله {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ[الزخرف: 54] فكيف كانت عاقبتهم وكيف كان جزاؤهم؟ لقد كانت عاقبة هذه الطاعة في المعصية أن الله انتقم منهم بجنده ورسله وجعلهم عبرة لمناصري الظلمة في كل عصر من العصور {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ} [الزخرف: 55 – 56] ولو أنعم المرء في جمع الآيات المختلفة وتتبع القصص المتفرقة في القرآن الكريم حول فرعون وشعبه وحكايتهم مع موسى لخرج من ذلك بعبر كثيرة وحكم بالغة وتجارب تغنيه عن تكرار أخطائهم وذوق نفس مصيرهم، ولعلم جزما أن الله ينتقم ممن ينصر الظالم ويسكت عن ظلمه، ففرعون نفسه قد جعل أهل مصر شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم، كل ذلك مصير مساندة الظالم من أعام ظالما سلطه الله عليه. إن الناس دائما ما يدعون الطيبة والتدين ومحمودية السيرة، ولكن محمودية السيرة في رأيي لا تعني مجرد التمسك بسبحة وجلباب أبيض نقي وتمتمة بعض التسابيح!!! إن التدين الحقيقي هو ما تظهره المواقف وتنطق به أوقات الامتحان والابتلاء، ولنا أسوة في إبراهيم عليه السلام الذي اعتزل أباه لمخالفته الحق ومجانبته الصواب في حقيقة الإله المعبود. ذلك النبي الذي وقف أمام بمفرده أمام أمة بأكلمها تألبت عليه ووضعته في لتنور لرفضه تأييد الظلم والسكوت عن الظلمة، فجاء تكريم الله له بأنه أمة أي رجل بأمة{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 120]. هل فينا مثل هذا الرجل الذي جعله الله أسوة للمؤمنين في كل عصر من العصور {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الممتحنة: 4] هل فينا ذلك الخاشع المتبتل الذي يقف في فريق أهل الحق ووشيعة الصدق وينطق بخطأ الظالم وسفه السفيه، حتى لو كان أباه؟ هل فينا من يقدم حق الله على حق نفسه؟ إن الخصومات خير دليل على أننا لا نعتزم معيرة الدين وتحكيمه في سائر شؤوننا، إننا نمعير المصلحة والعصبية وقد صح فينا قوله صلى الله عليه وسلم يغضب لعصبة أي يناصر أقاربه مهما بلغت جرائمهم، فالغضب عندنا ليس لله ولا للرحم ولا للحق العظيم، ولكنه للمصلحة والعصبية والمكاسب المادية؛ ولهذا شاع الكذب واحترفت شهادة الزور، وكثر شياطين الإنس!!! إنني أعرف مدرسا يدرس اللغة العربية لغة القرآن والتربية الدينية قاده خلاف بينه وبين زميله إلى أن دس عليه نسوة يردحن له، وأغرى به سفيها من السفهاء يعتدي على حرمته ويشتمه الصباح والعشي بأقذع الألفاظ، كل يوم يصحو هذا الرجل على صوت ارتطام الحجارة على شباكه الذي تهالك من كثرتها، يعيش أولاده في فزع تام، لا يكاد يذهب إلى عمله حتى تتابع عليه استغاثات زوجته وأولاده من إيذاء هذا السفيه، كل ذلك لأن صاحبنا جرؤ على أن فتح حضانة للأطفال ينافس فيها مدرس اللغة العربية والتربية الدينية، كل ذلك بمرأى ومسمع من شيوخ العائلة الذين تتدلى لحاهم على صدورهم ويتعثرون في مسابحهم، ويمشون في الناس بالدعوة إلى الخير أما حينما تتوجه هذه الدعوة إليهم فهم {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3]، التدين إذن لديهم واجهة اجتماعية وحالة ظاهرية أما حقائقه ومعانيه وغايته ومراميه فهي أحاديث خرافة ورجم بالظن ومجهود لا جائزة عليه ولا أجر في مقابله. ما موقع كل هذا من تعاليم ديينا الحنيف وهل هذه المواقف جديرة بأن تصلح معها الدنيا، إننا نشكو الظلم ونحن من يصنعه، ونجأر إلى الله من عنت الظالمين ونحن من يعينهم على هذا الظلم، إننا في حاجة لأن نعرف معنى التدين، وفي حاجة لأن نثور على معاييره السائدة وفي حاجة في الوقت نفسه لأن نقول لمن يمتهنون التدين ويستمتعون بمشاهدة الظلم: التدين برئ منكم مهما طالت لحاكم وأنتم ألفاظ بلا معان وأعراض بلا جواهر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف