هاوي كتابة
محمد زعيتر
مبروك زعيتر .. السجين المحبوب
وجه مستطيل وعينان واسعتان يعلوهما شعر أبيض وقامة شامخة وحنكة شديدة ، يتفحص الأمور بدقة ويرصد الأحداث بعناية ويري أفاق بعيدة ، ويد طاهرة طالما مدت لمن استغيث بها ، وقلب نقي ، أحبه الله فأكرمه ونعمه بحب الناس ...أعتدنا علي رؤيته كوجهة مشرفة لبلدنا ودائرتنا أذكره حينما رفع علي الاعناق بعد فوزه بمقعد البرلمان عام 2000 م وقتها كنت طفلا صغيرا فرحا بالمشهد لكني لم أكن علي دراية بتداعياته وتحدياته وتكرر نفس السيناريو عام 2010م لكن لم تدم الفرحة طويلا فقد حل المجلس عقب أحداث ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١م صلة وثيقة وقرابة شديدة تجمعني بنائب سجين لم يكن يعرفني حتي جالسته مره وحيدة حينما كنت بالفرقة الثالثة بكلية الاعلام ، لم يستغرق الحوار سوي بضع دقائق لكني رأيت شخصية وقورة يغلبها الهدوء وتحسست تواضعه ونقائه وإلتمست إنشغاله بهموم الناس .. لم يحالفني الحظ لرؤيته من جديد ، فقد القي في غياهب السجن ظلما وبهتانا ، أسره قاضي الأرض في زنزانه ووضعه قاضي السماء في أفئدة الناس.. "يابني الحاج مبروك دا المفروض يتعمله تمثال ، الرجل دخل المجلس بالجلبية البيضة وطلع وهيا بيضة متلوثتشي ، هحكيلك اية ولااية ولااية .. بجد الرجل دا خسارة ، وحرام ال حصل فيه " بتلك الكلمات الممتزجة بالحزن والحسرة حدثني أحد أبناء قريتي ، وهو رجل أربعيني مشهود له بالإحترام وحسن السمعة ، وقص لي حكايات كثيرة تشهد بنزاهة ذلك الرجل السجين وتؤكد كرم أصله ومثالية أخلاقه ومبادئه . إستغرق الحوار مايقرب من ساعة ، لكن هناك قصة إستوقفتني وأود أن أقصها لنتعلم منها درسا في التواضع وننبذ الغرور الواهي الذي ينتاب بعضنا.. يقول الرجل الاربعيني : " انا كنت بشتغل في ادارة مرور دمنهور كاتب عمومي _وذكر لي أن الحاج مبروك هو من سعي له كي يحصل علي تلك الوظيفة _... وتابع : " في يوم من الأيام الحاج مبروك كان جاي إدارة المرور يخلص حاجة من هناك ، وأمين الشرطة ال واقف علي البوابة مرضيش يدخله وقاله أركن علي جمب ، وأنا أول ماسمعت أمين الشرطة بيقول كدة ، قولتله حاسب إنت بتعمل إية دا عضو في مجلس الشعب ، فلقيت الحاج مبروك كتم صوتي بيده وقالي كلمه عمره مهنساها لو المنصب هيرفعني مش عايزه وقال للرجل ال كان بيسوق بيه اركن علي جمب زي أمين الشرطة مقال" ... أقسم لي ذلك الرجل الأربعيني أنه لن ينسي هذا الموقف طوال حياته ،واقسمت له ثانيا أن ماقاله حفر في أذهاني .. أعترفت لذلك الرجل أنني لم أكن اعرف من هو مبروك زعيتر ،فرد عليا قائلا :" ومازلت لاتعرفه فهذه المواقف نقطة في بحره المليئ بجوهريات مواقفه وفضليات أخلاقه وكرم مبادئه وحسن أصله ".. يقول المثل: " لا تعرف قيمة شخص الإ عندما تفارقه " تأكدت من حقيقة ذلك المثل ومدي مطابقته للواقع ، فكثيرا ما جالست أشخاصا بمختلف الأعمار مابين صبية وشباب وشيوخ ودار بيني وبينهم حوارا حول ما حدث للحاج مبروك زعيتر . وتحسست الحزن الذي ينتاب هؤلاء الناس ، وإلتمست الحسرة في حديثهم ، ورأيت الأسي في أعينهم .. فك الله كرب هذا الاسير وجعل حبسه ظلما في ميزان حسناته يوم القيامة ..
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف