هاوي كتابة
السيد الوزير
رحلة الجحيم في البحث عن الحرية
يحلم غالبية الشباب الأفريقي من مختلف دول إفريقيا في الهجرة إلى خارج حدود أوطانهم لأسباب عديدة، وتتمثل غالبيتها في الحصول على حياة كريمة تتحسن فيها أوضاعهم المعيشية، من خلال العثور على فرص للعمل وإكمال الدراسة في أرقى الجامعات، فنظراً لطموحهم التي تهفو بهم إلى تلك الحياة الجديدة التي تختلف اختلافا جذريا عما يعيشها في بلده الأم من بطش للطغاة وفقر مدقع وبطالة بات يلجأ معظم الشباب لهذا الخيار الأصعب اختياراً من بين كل الخيارات المتوافرة لديهم.

ومن أهم الأسباب الأساسية للتدفق الشبابي إلى أوروبا هُو فقدان الأمن في بعض دول إفريقيا جنوب الصحراء، والذي ما زلنا نعاني منه حتى اليوم ولا ندري متى سينتهي، فتلك العلة الأساسية شجعت الكثير من الشّباب والشابات على التوجه إلى السفارات والقنصليات آملين من خلالها الحصول على التأشيرات ويتفائلون في رحابها بمستقبل مشرق، ويأسفون من مغادرة أوطانهم ومفارقة أحبابهم، وهم في محاولاتهم للحصول على فيزا من إحدى الدول الغربية ومعظمها دول أوروبية.

الهجرة الشرعية هي الطريقة التي سوف تساعد أي مهاجر على الاستقرار والوصول إلي أهدافه وطموحاته التي رسمها في حياته، لأن التعامل مع من دخل هذه الدول بطريقة شرعية قانونية تختلف تماماً عن شخص دخلها بطريقة غير شرعية على مستوى جميع المجالات في القطاعات العمومية.
أما غير الشرعية هي الأخرى اشتهرت كثيراً في الآونة الأخيرة بسبب العوائق والحواجز التي تقف أمام الشباب للحصول على الفيزا، وكما لا ننسى تلك الشروط القاسية التي تفرضها تلك الدول المتطورة حينما يلجأ الإنسان إلى سفاراتها مطالباً التأشيرة، لحدٍ يتساءل بعضهم في نفسه " إذا توافرت لدي كل هذه المتطلبات والتكاليف فما الذي يدفعني للهجرة "؟!

حينئذ يضطر هذا الشاب على الهجرة بطرق غير الشرعية التي قد تقضي على حياة الآلاف من المهاجرين بالقتل والغرق وهم في طريقهم إلى إيطاليا على متن الزوارق، قد ينقذ بعضهم من قِبل عناصر البحرية الإيطالية بعد أن تتحطم الآمال وأحيانا من قِبل قوات السواحل اليونانيّة، فضلاً عن العوائق التي يواجهونها قبل الوصول إلى البحر فمنهم من يتعرض للقتل والآخر للسجن وبعض الآخر يتعرض للبيع على يد المافيا.

وكما لا ننسى الإهانة والعذاب الذين يتعرضون لهما على يد الجماعات المسؤولة عن التهجير، لأن عملهم بطبيعته السرية لا يريدون وقوع أية مشكلة تكشف عنهم، لذلك يضطرون على حبس هؤلاء المهاجرين في بيوت خاصة لهم، دون طعام ولا شراب . إضافة إلى ذلك يتعرضون لأبشع أنواع الضرب والمعاملة القاسية.

بهذه المناسبة حدثتني صديقة لي، عن هذه المأساة المحزنة في سردها، والمبكية في واقعيتها، وهي من اللاتي قطعن البحر عن طريق الهجرة غير الشرعية من ليبيا إلى أوروبا التي يحلم كل الشباب الأفريقي في الوصول إليها قائلة (ومن قسوة المعاناة والمعاملة التي نشهدها من أرباب العمل، فإننا لا نعتقد بوجود فرق جوهري بين حالتنا التي هاجرنا منها وبين حالة الأشخاص القابعين في السجن، بل السجن أسوأ، لأننا نغامر بأعز ما نملك وهي أرواحنا الغالية) إضافة إلى ذلك فإن أبسط خطأ إذا ارتكبه سجين ربما يؤدي إلى موته.

وماذا بعد الوصول؟ يشعر الكثيرون من الشباب المهاجرين بالغربة، والحنين إلى أوطانهم، رغم أنه كان بعضهم يشعر بالاغتراب عندما كانوا داخل أوطانهم، إن هذا الشاب يشعر بعدم الرضا لأنه غادر وطنه الأصيل واصطدم بمكان له حضارة وثقافة ولغة وعادات وتقاليد مختلفة، جديدة عليه وحينما لا يجيد التواصل مع البيئة الجديدة ولا يتكيف معها يفقد الثقة مباشرة، ويشعر بالملل والغربة بل يتزايد حنينه تجاه الوطن في كل موقف محرج، بل تجدهم يتحدثون كثيراً عن مشاكل المجتمع بسبب فقرهم وتهميشهم من الغربيين وبعدهم عن أهلهم، بسبب عدم الحصول على فرص العمل أو بسبب العنصرية وسوء المعاملة لأن المجتمع الغربي مجتمع عنصري لدرجة حتى فرص العمل تحصل عليها من خلال الواسطة وهي محدودة وغالباً يتعامل مع الفرد باسم الدين خوفاً من المسلمين المتشددين.

يعجز الكثير من المهاجرين غير الشرعيين عقب وصولهم إلى الغرب عن تحقيق أهدافهم وطموحاتهم، لأنهم يصطدمون بحائط الحضارة والثقافة الجديدة، والتهميش من قبل المنظمات من جهة، وسوء المعاملة والعنصرية والشعور بالاغتراب من جهة أخرى، فيجد الواقع ليس كما كان يتصوره في الخيال، ومن هنا تبدأ كوابيس الحيرة والندم وينفد الصبر في انتظار وعودهم المملة، وتجدهم يتنقلون بين المدن الأوروبية.

ذكر لي أحد الإخوة بوجود أناس مكثوا عشرات السنين في أوروبا وليست لديهم ورقة تثبت هويتهم، ولا مصدر مضمون يسترزقون منه، ولا أسرة تعيلهم، ولا يفكرون في الرجوع إلى بلدانهم، وتجدهم يتنقلون بين باريس وبرلين وروما.

فالهجرة من أجل تحقيق الأهداف والأمنيات، سواءً كان لتكوين أسرة مباركة، أو لمواصلة دراسة، أو للحصول على عمل مباح يكسب منه رزقاً حلالاً، أو هدف آخر نبيل، فهو شيء إيجابي بل حل لمشكلة البطالة الراهنة، أما عندما تكون نتيجتها انسلاخ خلقي، وحرية زائفة بلا هوية، والتسكع في شوارع أوروبا فعند ذلك تكون الهجرة أشبه بحي بني يقظان الافتراضي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف